الهلال «المنقوص» يقصى الاتحاد ويحجز مقعداً في نهائي «أغلى الكؤوس»    سمو محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة سمو أمير المنطقة    سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير شرطة المنطقة ويتسلم التقرير السنوي لعام 2023    الأمان في دار سلمان    المملكة ترشد 8 ملايين م3 من المياه    مشروع سياحي استثنائي ب"جبل خيرة"    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    الهلال يتفوق على الاتحاد ويتأهل لنهائي كأس الملك    الدراسة عن بُعد بالرياض والقصيم بسبب الأمطار    الوسط الثقافي والعلمي يُفجع برحيل د. عبدالله المعطاني    من أحلام «السنافر».. مانجا تعزز دورها في صناعة الألعاب    خبير قانون دولي ل«عكاظ»: أدلة قوية لإدانة نتنياهو أمام «الجنايات الدولية»    مدرب بلجيكا يؤكد غياب تيبو كورتوا عن يورو 2024    أمريكا تطلب وقف إمداد الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة    نمر يثير الذعر بمطار هندي    تطوير العمل الإسعافي ب4 مناطق    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية المكسيك يناقشان آخر التطورات في قطاع غزة ومحيطها    موسم الرياض يطرح تذاكر نزال الملاكمة العالمي five-versus-five    مهتمون يشيدون ببرنامج الأمير سلطان لدعم اللغة العربية في اليونيسكو    41 مليون عملية إلكترونية لخدمة مستفيدي الجوازات    محافظ الريث يستقبل مفوض الإفتاء الشيخ محمد شامي شيبة    عسيري: مناهضو اللقاحات لن يتوقفوا.. و«أسترازينيكا» غير مخيف    «جامعة نايف العربية» تفتتح ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب.. في الرياض    أغلى 6 لاعبين في الكلاسيكو    دوريات «المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    ميتروفيتش ومالكوم يقودان تشكيلة الهلال ضد الاتحاد بنصف نهائي كأس الملك    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لجودة الحياه    مساعد وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية في إسبانيا    نائب أمير مكة يطلع على الاستعدادات المبكرة لحج 1445    وزير الصناعة والثروة المعدنية يرعى أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2024    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    مجلس الوزراء يجدد حرص المملكة على نشر الأمن والسلم في الشرق الأوسط والعالم    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    فهد بن سلطان يطلع على الاستراتيجية الوطنية للشباب    وزير الطاقة: لا للتضحية بأمن الطاقة لصالح المناخ    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في منظمة سيجما الدولية    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    الذهب يتراجع 4.6 % من قمته التاريخية    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    وهَم التفرُّد    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    لوحة فنية بصرية    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«تنظيم الدولة» يتعاون مع «النصرة» ثم ينفرد تحت شعار «الخلافة»
نشر في الحياة يوم 06 - 04 - 2016

يناقش الفصل السادس من كتاب فواز جرجس دور الحرب السورية في تقوية تنظيم «داعش».
ويرى الكاتب أن أهم عاملين وراء نهضة تنظيم «داعش» وتوسعه كانا النظام السياسي الضعيف والمعطل في العراق والذي تفاقم وضعه بعد الغزو الأميركي وسياسات رئيس الوزراء نوري المالكي الاستبعادية، ويتمثل العامل الثاني في الصراع والحرب في سورية. وقد وقع في المنطقة زلزال يطلق عليه «الربيع العربي» وحاولت الشعوب التخلص من حكامها في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والبحرين، وتزامن هذا الزلزال مع الفترة الثانية من حكم نوري المالكي في العراق. لكن عدم تحقيق تلك الانتفاضات الشعبية اهدافها وخروج آمال المتظاهرين عن مسارها، ساهما في خلق بيئة محفزة لنجاح تنظيم «داعش» وتوسعه في سورية. فمثل تلك التنظيمات تنهض على احباطات الشعوب من حكامها وتأخذ تلك الشعوب إلى بدائل أخرى وهي في الغالب اسلامية.
الأصول الاجتماعية - السياسية للثورة السورية
يرى الكاتب ان بداية الانتفاضة الشعبية كانت بدوافع اجتماعية وسياسية في المناطق الريفية داخل سورية مثل درعا التي تأثرت كثيراً بالجفاف وبحقبة السياسات الليبرالية الجديدة التي حوّلت الموارد من القطاع الزراعي المتهالك الى قطاعات أخرى. وقام نظاما الأسد الأب والابن على توزيع السلطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على أسس طائفية بما يضمن استمرار النظام وعدم وجود معارضة له. وساهمت السياسات الليبرالية الاقتصادية في التسعينات في نمو القطاع الخاص مع انخفاض تدريجي للوظائف الحكومية وانخفاض الدعم والسياسات الرعائية التي كانت تشكل شبكات أمان للملايين من السوريين، وبذلك تضرّرت بعض المناطق وزاد عدد السكان الذين يقبعون تحت خط الفقر. وبالتالي ليس من المستغرب أن الثورة بدأت من المناطق الريفية. وقد تحدث عدد من النشطاء السوريين مع الكاتب في الداخل والخارج في بداية الثورة عن رغبتهم في أن يتملكوا بلدهم ويبنوا مجتمعاً منفتحاً ومتسامحاً تتعايش فيه جميع المكونات تحت حكم القانون. وكان أمل هؤلاء بأن يتخلى الأسد عن السلطة مثلما حدث في تونس ومصر، لكن رغبة الأسد في السلطة والسيطرة خيبت آمال هؤلاء. وساهم في ذلك انحياز الجيش والشرطة الى جانب نظام الأسد ضد الشعب.
ومع تصاعد الصراع في سورية تبنّى عدد من الجماعات المسلحة الأيديولوجيات الإسلامية، من المعتدلة إلى السلفية الجهادية. واستخدم المتمردون، مثل «الجيش السوري الحر»، رموزاً وشعارات اسلامية في خطابهم لكسب الشرعية في أعين الجماهير والمنافسة مع الجماعات المسلحة الأخرى للحصول على تمويل. ووجدت الدعوات إلى الجهاد ضد الأسد ومؤيديه آذاناً صاغية لدى الكثيرين من المتمردين السوريين ورعاتهم الأجانب الذين ساهموا في زيادة الصوت الطائفي والحمية الدينية للصراع السياسي.
تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»
يؤسس «جبهة النصرة» في سورية
يقول الكاتب إن الصراع في العراق وسورية أعطى أبو بكر البغدادي والدائرة القريبة منه فرصة ذهبية لبناء شبكات اجتماعية جديدة وإيقاظ القديمة في البلدين التي تركز على التعامل مع مآسي السنة المتأثرين بالصراع في الدولتين. فقد جذب البغدادي السنة المهمشين في سورية والعراق ضد النظم التي يحكمها شيعة وتمعن في اضطهاد السنة وتهميشهم. وبدأ دخول التنظيم إلى سورية قبل ان تتحول الأوضاع هناك الى حرب كاملة منذ أواخر عام 2011. واستغل البغدادي الفراغ الجهادي بعد موت بن لادن بأن أرسل اثنين من القادة الموثوق بهم الى سورية في اواخر عام 2011 وهما أبومحمد الجولاني والملا فوزي الدولامي لتأسيس خلية جهادية ومحاربة نظام الأسد. ولم يعلن التنظيم عن نشاطه في سورية لمدة عام لكنه دعم «جبهة النصرة» بعدد من الضباط السابقين في الجيش العراقي وبالمال والأسلحة، وقد مكّن ذلك الجبهة من أن تكون إحدى الجماعات الرئيسية المسلحة في عام 2012 وأن تتعاون مع شركاء محليين لهذا الغرض. وقال أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» المركزي أنه اتفق مع البغدادي على عدم الإعلان عن وجود رسمي في سورية. هذا الاتفاق كان يهدف إلى تجنب توجيه الضربات الأميركية إلى «جبهة النصرة» والسماح لها بالحضور القوي داخل سورية. وقدّم الجولاني الجبهة على أنها امتداد للمجاهدين السوريين اكثر منها امتداداً ل «القاعدة» أو لتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق.
وخلال الفترة الأولى لحضور الجبهة تجنّب البغدادي إرسال مجاهدين عراقيين إلى سورية وفضّل الاعتماد على السوريين السنة وتحالفات محلية وقبلية مع المتطوعين الأجانب وقلة من العسكريين العراقيين. واستطاعت الجبهة ان تتواصل وتؤثر في المجتمع السني على غرار ما حدث في العراق، وعملت الجبهة باعتبارها المدافعة عن السنة الذين يشعرون بالاضطهاد من النظام الطائفي السوري. وكانت استراتيجية التنظيم هي كسر الحواجز والتخلّص من الحدود الاستعمارية التي تفصل بين سورية والعراق من خلال تجميع القوى السنية عبر البلدين. وتجميع هذا التحالف من القوى السنية يهدف إلى مواجهة التأثير التوسعي لإيران في المنطقة، لا سيما دعمها النظامين في بغداد ودمشق. تجدر الإشارة إلى أن عدداً من القيادات في «جبهة النصرة» وبعد ذلك تنظيم «داعش» سجنهم نظام الرئيس الأسد حتى العفو العام في أيار (مايو) 2011، ومنهم عواد المخلاف الذي أصبح بعد ذلك أمير التنظيم في الرقة. ويرى بعضهم أن العفو كان مخططاً من الأسد لتحويل الصراع من صراع مشروع له أهداف سياسية من المعارضة، إلى صراع بين العلمانية والتطرّف الإسلامي.
فقراء الريف والحضر
وجدت «جبهة النصرة» من البداية مجتمعاً متقبلاً في المناطق الريفية، مثل دير الزور والحسكة والرقة، حيث ترتفع البطالة والفقر المدقع، لا سيما بعد تصاعد الصراع السوري. واضطر الكثيرون لعدم وجود مصدر للرزق الى الانضمام إلى الجماعات المسلحة، فقد ازدادت البطالة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من 60 في المئة إلى 90 في المئة. وأصبحت دير الزور التي تعد تاريخياً من أفقر الأقاليم السورية تربة خصبة للجماعات الإسلامية مثل «جبهة النصرة». وتمكّنت «النصرة» وتنظيم «داعش» من تجنيد المئات من السنة الفقراء الذين يفتقدون ما يسد رمقهم وإعالة أسرهم. وكان التنظيم يعطي المقاتل 400 دولار شهرياً وعلى كل طفل 50 دولاراً وعلى كل زوجة 100 دولار. ولكن مع نهاية عام 2015 لم يستطع التنظيم الاستمرار في دفع تلك الأموال نتيجة انخفاض عائداته من النفط وغيره. وتم تخفيض المرتبات بنسبة 50 في المئة لتصل الى 200 دولار في الشهر. وعلى رغم ذلك يرى الكاتب أن السنة الفقراء الذين يشعرون باليأس وجدوا في مشروع تنظيم «الدولة الإسلامية» انعكاساً لآمالهم ومخاوفهم وأنه يقدم لهم إجابات عن الأوضاع المحيطة بهم نتيجة الحرب. ينظر هؤلاء إلى التنظيم على أنه البديل الواقعي للجماعات المتحاربة الفاسدة المنتشرة في سورية. لقد استغل التنظيم في العراق وسورية الفقراء السنة وجنّدهم من خلال تشغيلهم وتقويتهم ووضعهم في مناصب في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في دير الزور والرقة والموصل والفلوجة وغيرها. وبالتالي شعر هؤلاء بالقوة وبمصدر للرزق من خلال المناصب التي يتولونها، وبذلك أصبحوا يدينون بالولاء للتنظيم.
يقول الكاتب إنه يجب عدم إغفال المرحلة الأولى للعلاقة بين تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق و»جبهة النصرة» ما بين عام 2012 ونيسان (أبريل) - أيار 2013. فقد كانت العلاقة محورية في إطلاق أساس جهادي مهم وبنية قوية قادرة على التحمل، وإن تعرضت للتمزق ما بين الجانبين بعد ذلك. قام البغدادي قبل الانقسام بينهما بالاستثمار في تقوية الجبهة وقد حصل على عائد كبير من الناحيتين المالية واللوجستية قبل دعمه «جبهة النصرة». ومكّنه ذلك من السيطرة على الموصل وأقاليم سنية اخرى بالاستفادة من تفكك النسيج الاجتماعي السوري وتزايد الدافع الجهادي للقيام بالمزيد من التوسع في سورية والعراق. وساعد التنظيم الجبهة في التوسع في الرقة وإدلب ودير الزور وحلب من خلال الاختراق التدريجي للقرى والمدن ورسم خريطة للجماعات القبلية والدينية والاجتماعية (مثل رؤساء العشائر والشخصيات المؤثرة ورجال الأعمال والنشطاء ورجال الدين والمنشقين) وإنشاء مكاتب للدعوة الدينية. واستخدم التنظيمان الاغتيالات والترهيب وزرع الخوف في الناس ليتم لهم السيطرة على المناطق المختلفة. وما بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 وكانون الأول (ديسمبر) 2012 نفذت «جبهة النصرة» أكثر من 600 هجوم عبر سورية مستهدفة المراكز الأمنية الحكومية والجيش و «الشبيحة». وقد وضعت الجبهة عتادها العسكري في المناطق الريفية. وكان من ضمن إستراتيجية الجبهة الظهور بمظهر المدافع عن السوريين ضد نظام الأسد وتحصل على أكبر دعم من المجتمعات المحلية. تجدر الإشارة إلى مدى سيطرة «النصرة» على المجتمعات المحلية ونظرة المجتمعات المحلية إلى «النصرة» تختلف كثيراً عن نظرتها إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، فقد تم النظر الى «النصرة» على انها جماعة اسلامية معتدلة ولها اصول محلية في سورية على عكس تنظيم «الدولة الإسلامية» العابر للحدود وصاحب الطموحات العابرة للحدود والمغالاة في التطرف. وقد حاولت «النصرة» تبرير علاقة الجولاني السابقة بتنظيم «الدولة الإسلامية» بأنها كانت بيعة حرب ولم تكن بيعة للخلافة، أي أنها كانت عبارة عن تحالف عسكري موقت أكثر منها ارتباطاً أيديولوجياً طويل المدى. وبعد ان رفع البغدادي الغطاء عن الجولاني في نيسان 2013، لم يقم الجولاني بإعلان البيعة لأيمن الظواهري فحسب لكنه جدّد البيعة في لقاء تليفزيوني على قناة «الجزيرة» في أيار 2015 موضحاً الفرق بينه وبين تنظيم البغدادي. وقد ساهم ذلك في إظهار «النصرة» بمظهر التنظيم المعتدل والتأكد من الحصول على تمويل من بعض الدول العربية. ولكنه لم يوضح خططه للتوازن بين الهوية الجهادية العالمية للجبهة من جانب وضرورة السيادة السورية من جانب آخر. يضاف الى ذلك استعداد «النصرة» للتعاون مع الفصائل الإسلامية المختلفة و»الجيش السوري الحر» في الحرب ضد قوات الأسد، فقد أوضح تقرير لمجموعة الأزمات الدولية عن الشراكة بين الجبهة والجيش السوري الحر في مراكز تصنيع القنابل في دير الزور وإدلب. وقد نجحت «النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» في خلق نظم إدارية تنظّم أمور الناس في المناطق التي يسيطرون عليها وملء الفراغ في غياب مؤسسات الدولة. يقدّمون الخدمات للناس ويحفظون الأمن والنظام ما جعل الناس يتمسكون بهم باعتبارهم البديل الواقعي للمآسي التي يعيشون في ظلها مع استمرار الحرب. وتستخدم «جبهة النصرة» الإعلام للترويج لما تقوم به من خلال شبكة إعلامية يطلق عليها «المنارة البيضاء» لعرض أعمالها الخيرية لجذب السنة وتقوية وجودها في المجتمعات المحلية وقبول الناس لها. وأسّست الجبهة قسم الإغاثة لمساعدة المحتاجين. وقد كسبت النصرة قلوب وعقول السوريين بالعمل كمدافع عن السكان المحليين وليس كجماعة إجرامية مثل بعض الفصائل المسلحة الأخرى.
صراع البغدادي والجولاني وصعود نجم «داعش»
تصاعد أسهم «النصرة» والجولاني هدّد طموحات البغدادي والدائرة المقربة منه فتحركوا بسرعة لضمان سيطرتهم على ما يعتبرونهم رجالهم ومشروعهم في سورية. ففي رسالة صوتية في نيسان 2013 أعلن البغدادي أن «النصرة» كانت امتداداً لتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وكان الهدف الإستراتيجي ل «النصرة» هو إقامة دولة إسلامية في سورية. وأعلن البغدادي عن اندماج التنظيمين في تنظيم واحد أطلق عليه تنظيم «داعش». وشكل إعلان البغدادي تهديداً ليس فقط للجولاني و»النصرة»، ولكن أيضاً لكل الجماعات المسلحة الإسلامية في سورية. وحذر البغدادي الجماعات الإسلامية التي ترفض إعلان البيعة للتنظيم باعتبارها أعداء. وردّ الجولاني بإدخال تنظيم «القاعدة» المركزي في الصراع بينه وبين البغدادي. ورأى الجولاني أن تحالفه مع «القاعدة» لن يغيّر من سياسات الجبهة أو أولوياتها التي ستبقى مركزة على التخلص من نظام الأسد. وقد لام الظواهري تصرّف البغدادي بالكشف عن وجود «القاعدة» من خلال «جبهة النصرة» في سورية، وقال إن قراره كارثي لأنه أحدث فتنة في المعسكر الجهادي. وحاول الظواهري إنجاز مصالحة بين الجانبين لكنه لم ينجح في ذلك. ودعا الظواهري إلى إلغاء دمج التنظيمين وهو ما يعني الاصطفاف إلى جانب الجولاني ضد البغدادي. وكان رد البغدادي على الظواهري تحدياً لسلطته وأعلن عن استمرار التنظيم الجديد وأنه سيتمدّد.
وكتب البغدادي لأحد قياديي «القاعدة» وليس للظواهري قائلاً إنه بعد استشارة مجلس شورى التنظيم الجديد تم تقرير «أن طاعة قائدنا قد يكون فيها عدم طاعة الله وتدمير مجاهدينا ونحن نسعى إلى إرضاء ربنا وليس قائدنا». وقد تزامن بيان البغدادي مع قيام تنظيم «داعش» بشنّ هجمات ضد «النصرة» وحلفائها من التنظيمات الإسلامية في سورية.
توسّع «داعش» على حساب «النصرة»
وشكّل إصرار الجولاني على استقلال «النصرة» مشكلة خطيرة بالنسبة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». مع حلول عام 2013 أصبحت «النصرة» قائدة التنظيمات الإسلامية المحاربة لنظام الأسد وكان على تنظيم «الدولة الإسلامية» إعادة تأسيس ذاته كأحد اللاعبين الرئيسين في الصراع السوري. وقد نجح البغدادي في تحقيق انتصارات على حساب «النصرة» وغيرها من التنظيمات الإسلامية والاستيلاء على أراض كثيرة، لا سيما الرقة، وبعد ذلك الانتقال منها إلى الموصل. وبعد سيطرة التنظيم على الرقة بثّ الرعب في قلوب السكان من خلال إعدام ثلاثة رجال وسط المدينة. ونجح التنظيم في وضع موطىء قدم له في شرق سورية.
وحدث صراع بين التنظيم من جانب و»النصرة» و»أحرار الشام» من جانب آخر في دير الزور التي سيطر التنظيم على معظمها بعد شهرين من المعارك في حزيران (يونيو) 2014. وساهمت تلك المكاسب في الحصول على موارد مالية من النفط والأراضي الزراعية الخصبة. ويتم النظر إلى التنظيم على أنه قوة كبيرة يمكن أن تساهم في التخلص من الأسد وتأسيس حكم سني في دمشق وبغداد وهو ما لا يستطيع أن يحققه المنافسون الإسلاميون الآخرون.
إزالة الحدود بين العراق وسورية
سيطر التنظيم على الموصل في حزيران 2014 وامتدت سيطرته إلى أجزاء من حلب عبر الصحراء السورية وصولاً إلى داخل محافظات الأنبار ونينوى. وقد استغل التنظيم التوترات المتزايدة بين الحكومة العراقية وقوات «الصحوات»، وكان المناخ ملائماً لاستقبال التنظيم داخل الموصل حيث كان الناس تحت ضغوط كثيرة من الجيش والنظام إذ لم يحبوا الجيش وكانوا يحتاجون إلى شخص يحميهم منه ووجدوا ضالتهم في التنظيم. وسمح التنظيم للقوات المحلية بأن تسيطر على الإقليم وأن تسير الأمور تحت قيادته، وأنشأ التنظيم الحسبة لمراقبة مراعاة الناس تطبيق الشريعة الإسلامية. وأدرك أهمية دور القبائل ودعمها في الحفاظ على المكاسب اللوجستية التي حقّقها التنظيم، ويبدو أنه استفاد من خبرة «جبهة النصرة» في هذا السياق. نجح التنظيم في الجمع بين القمع والاستخدام المفرط للقوة من جانب وكسب دعم المجتمعات المحلية والقبائل من جانب آخر لاستمرار السيطرة والحفاظ على المكاسب التي تحققت.
ويختتم فواز جرجس هذا الفصل من كتابه بالقول إن التنظيم أسّس حاضنة شعبية أو أساساً اجتماعياً في سورية والعراق بين الفقراء السنة والقبائل، وهو أحد العوامل المهمة للدعم الشعبي له.
يمكن القول في النهاية إن المؤلف أوضح في هذا الفصل أن الحرب في سورية ساهمت في وجود التنظيم القويّ في البلاد مثلما كانت عليه الحال في العراق. فقد استفاد من المآسي التي يعيشها العرب السنة من الفقر والتهميش والفراغ التي تحتاج إلى بديل. واستغل حالة الضحية التي يعيشها العرب السنة، كما أكد نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي في مقابلات معه، وأشار إلى أن «داعش» كان أملاً للعرب السنة ضد نظام المالكي المتعسّف ضدهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.