أصبح النص الشعري مستجيباً لوطأة التعبير بالصورة التي تمثل إنسان المرحلة ومكانه بكل ما يحمله من معطيات العصر وتعقيداته... إن الإيقاع الحياتي السريع بتداخلاته وتعقيداته قد أثر في أشياء كثيرة... إن إيقاع المدينة الصاخب الذي نسمعه في شوارع المدينة لن يترك آذاننا دون أن يحشوها بتعبئة منه نعتادها ونطلبها ونروق لها وتتشكل بالتالي في المعادل الفني لا شعوراً. إن الغنائية التي تكرست في الأذن الشعبية من خلال المكرور الشعبي والتجربة البدائية البسيطة في المباني والأفكار ورصد المحسوسات والتشبيه بها أولها... جعلت الشاعر الشعبي يبحث عن أفق يضيء يصف واقعة ويمثله كشاعر مثقف واع مطلع ومتفائل... ولست ضد التقليدية ولكن ضد الصور والتراكيب المبتذلة... فأنا احترم الروح التقليدية ولكن ضد الصور والتراكيب المبتذلة... التقليدية كروح ونكهة لاكصنعة واجترار... واللغة في توقيفيتها، ووضعيتها لم تكن بالعمق والاتساع حين النشأة... لكن الإيقاع ينشأ متدرجاً عن طريق الإضافة والمجاز، والمجاز خلق يحدثه المجتمع، ويحدثه الفرد داخل المجتمع فيطرق حد الابتذال عندها يقترب من الوضعي فيأتي مجاز آخر يمتاح من هذا الوضعي مجازاً آخر، وهكذا اللغة في حركة دائمة وبمثل هذا تنمو اللغة وتتسع. أن الصور المبتذلة في مثل (سر يا قلم) هي مجازات جميلة عند الفاتح الأول والسامع الأول. وقبل أن نطرق الجذر الفكري للتجديد لابد أن ننظر في المراحل الإرهاصية التي بدأت من ابن لعبون والتجديد في الأنساق الموسيقية والجدليات الفكرية التي اتكأ فيها على ثقافته المعرفية في الشعر والفكر في زمن الأمية السائدة... مما أسس عند الذهنية الشعرية والفكرية في عصره المتكآت الفنية للقصيدة... واعتقادي أن التعرض والخوض في غمار تلك الأشياء يستغرق جهداً ووقتاً طويلاً. غير أن ومضات تتناثر أثناء تقليب شعر محسن الهزاني مثلاً قبل أن نصل إلى شاعر ساهم بدرجة فاعلة في التأسيس وهو راشد بن كليب الذي استفاد من تقنياته الشاعر راشد بن جعيثن الذي أسهم هو أيضاً إسهامات كبيرة... ولا ننسى الشاعر حجاب بن نحيت وما أضفاه من حضارة بدوية على النص وسلاسة وعذوبة في البناء والتناول غير أن ثورة التجديد لم تظهر بصورتها الجارفة إلا عند الشعراء الشباب خصوصاً من عام 1405ه في فترة تغير فيها وجه الحياة في الجزيرة العربية والخليج... فأتى النص استجابة لذلك التغيير والحركة المتسارعة في قمة ما يسمى هنا بالطفرة التي غيرت أنساق الحياة والتفكير والنظر إلى الأشياء وبالتالي تغير المجتمع كبنية عامة تغيرت فيها الكثير من المقاييس والرؤى.