شعر- محمد عيضه هناك جمال يفرض عليك الصمت،وجمال يستدرجك للحديث،وانا ممن يفضلون النوع الأخير الذي ينتمي إليه النص الذي بين أيدينا، وبالرغم من أن النص وصلني دون أن يرفق باسم شاعره،فإن إحترافية النص والثقة العالية التي كتب بها،توحي بتجربة ناضجة ووعي عميق،ولا أستبعد أن يكون لأحد نجوم الساحة الشعرية،وهذا ما يعفيني من الحرج،فليست هذه التجربة الناضجة في حاجة للتشجيع ولا خوف عليها من الإحباط،ولا أعتقد أن هذه الكلمات التي أخطها ستغير في ماضي هذا الشاعر أو مستقبله شيئاً يذكر!وإذا كان الشاعر اختار لنصه أن يكون(نخبوياً) يعتمد على رمزية ذات دلالات خاصة أو عامة،فقد اخترت لقراءتي أن تكون انطباعاً أو فهماً خاصاً للنص،ولا أنكر هنا أني حاولت تجسير المسافة بين النص والمتلقي بما يتناسب مع(مزاجي الشخصي)ورؤيتي الخاصة،خصوصاً أن النص وافق هوى في نفسي فسافرت معه عائداُ عكس الزمن،إلى مرحلة(الثمانينات)حين كانت القصائد غواصات نووية في الأعماق قبل أن تتحول إلى يخوت مرابطة على الشاطئ!!. يتخذ النص من قصة الخلق منطلقاً يختصر به الطريق إلى وعي المتلقي،ومدخلاً يكتسب به تعاطفه مع قضيته،ليبدأ في سوق الحجج ضد الحبيب/الآخر،ساعياً إلى تجريمه أو(شيطنته)،من خلال إسقاطات تراوح بين النص الديني والميثولوجيا الإنسانية(أخرجتني من جنة الفردوس/اسجد لطين /تفاحة آدم/ تمردك اللعين)،ويستمر النص في نسج حبكة التجريم بدهاء ليدفع وعي المتلقي باتجاه تبني قضيته والتماهي مع براءة(العجز)ضد(الكبت/الخوف/الارتياب)،وما أن يطمئن إلى كسبه تعاطف الجمهور حتى يبادر للقفز من سفينة الهم العام إلى زورق الهم الخاص، ليرفع شراع الذاكرة ويجدّف بأسئلته:(وين انت../مامر وجهي في مرايا الذاكرة../يوم التصقت بجلدي/معقول هذا وجهك../دام التقينا من جديد/اقتص لي من جرحك..)وفي اللحظة المناسبة وقبل أن تختفي أضواء السفينة وتخفت تناهيد المتعاطفين،يقفز الشاعر/السندباد إلى الشاطئ،ليخترع جمهوراً آخر من المتعبين يتعاطف معهم ويلتفون حول صوته المثقل بالتعب والفقد والحصار والتهميش:(الارض سجن المتعبين/ افتقد للطين/الاسمنت يفرض غابته).. هنا اكتملت مؤامرة الشاعر والنص على المتلقي،وفي لحظة التوهج، لم يعد مهماً ما هي القضية ومن هو الآخر،تنحني الذائقة لتحمل النص الذي يحمل القضية:(يامن على وجه الثرى..)نجحت المؤامرة، واكتملت بهجة النص،ولكن لأن(الحلو ما يكمل) كان لابد للّغة أن تحشر أنفها في هذه القراءة الانطباعية،فهناك ملاحظتين لابد من الوقوف عندها الأولى في جملة( خمسة سنين)حيث البديهي أن يخالف العدد المعدود في التمييز(التذكير والتأنيث)،فنقول( خمس سنين و خمسةأشهر)،لماذا لم يقل(أربع سنين)؟!!أما الملاحظة الثانية فهي في الشطر الثاني من البيت قبل الأخير:(يامن يشيل الكورة الأرضيه على سبابته)فالوزن لايستقيم تماماً إلا بقراءة خاصة لكلمة(الكوره الأرضيه) لتصبح(الكورا ل ارضيه)أي بدمج التاء المربوطة بالألف، وربما كان الأخف ضرراً لو قال(يا من يشيل الكوره الأرضيه بْسبابته) ولعل الشاعر أراد تغليب(المعنى على المبنى)وهو أمر يعذر فيه، لكون الشعر الشعبي في أساسه أدب شفاهي يعتمد على النطق أكثر منه على الكتابة،ولايجب بحال من الأحوال أن ينتقص ذلك من جماليات هذا النص الذي وفق شاعره في اختيار موسيقاه كما وفق في إضفاء ستاراً من العفوية على حرفيته العالية وعمقه،وأرى من خصوصيات هذا النص أن(الفهم)يستوحش منه بداية بينما تألفه الذائقة على الفور!!. اخرجتني من جنة الفردوس الاعلى مرتين تفاحة آدم منك في حلق المرارة نابته من شان رب الطين غير موقفك واسجد لطين مافيه غير الله سبحانه حقيقة ثابته اعلن تمرد توبتك على تمردك اللعين عجزان اقول اللي بصدري وانت صدري كابته وجهك لمحته في سمار الظل بين الواقفين مافيه عين شافها الا خافته وارتابته وين انت لك خمسة سنين وقمح ياقمح السنين مامر وجهي في مرايا الذاكرة واغتابته يوم التصقت بجلدي البارح تنحرت الحنين معقول هذا وجهك الناري جروحي جابته دام التقينا من جديد وصار عين نصب عين اقتص لي من جرحك الغاير وفرق لابته تعبان مدري من متى -والارض سجن المتعبين- قبل افتقد للطين و الاسمنت يفرض غابته والشعر مادخلني التاريخ غير الله يعين احيانا احيانا ممات الوحي من كتاّبته يامن على وجه الثرى يمشي وحنا عارفين انه يشيل الكورة الارضية على سبابته يوم انك التاريخ واحنا به مجرد عابرين اسمح لنا بالله وادخلنا مع بوابته