جسمي معي غَيْرَ أنَّ الروحَ عندكمُ فالجِسمُ في غُربةٍ و الروحُ في وطنِ فليعجبُ النَّاسُ أن لي بدناً لا روح فيه ولي روحٌ بلا بدنِ مَنْ مِنَّا لم يَشْعُر بالغربةِ يوماً ولم يكابدَ ألمَها على الرغمِ من أن المتداول بينَ النَّاسِ هو غُربَة الوطن ولكن في الواقع ليس شرطاً أن تجوب بلادَ الله حتى يقال عنك إنك مغترب. أودُّ ان اتجه في مقالتي هذه عن غربة الأهل المعنوية لا المكانية. كُل منّا يحمل بذور غربتهِ في داخِله و ينميها بإسلوبه؛فإذا وجدَتْ بذرتَكَ بيئتها المناسِبة نمَت الغُربة في قلبِك و ترعرعت فيغتالك الشعور بها و تقضي على ما حولها مِن ورود الحياة، فيجتاح التَصحُّر أَجْمَل بساتين شبابك، لتشعُر بجفافٍ قاسٍ يؤذي روحَكَ الغضَّة، وقلقٌ صامت لا يُحرِّكُ مِنْ أوراقِ غربتك إلا وريقات خريفية تنتظر السقوط على أرض غربتك الجدباء. فتهفو النفس إلى ما لا تَجِد، و ترنو العين إلى أفق لا نهاية له. وَ وسط ذَلِكَ الإحساسُ المريب يخنقكَ صوتٌ يصدَعُ من أعماق روحِك: اصرخ يا صاحبي ( أنا هُنَا فهل من مجيب!!) فتلتفت يمنة و يسرى بعين بائسة اعتادَت فَقْدَ الأحبة .. ولكن!! قبْلَ أن يَرْتَد صدَى الصوت المخنوق باليأس تفكر و تتساءل !! هل سمع أحدهُم صوتَ ضَعفي ؟! هل سمِع أحدهُم استغاثَتي ؟! فيقولُ لَكَ مَنْ يجري في عروقك مجرى الدم.. لا أحد !! فترد عَلَيْهِ فطرتك التي غرسها داخلك أبوكَ مُنذُ لحظة أذانهِ في اليمنى و إقامته في اليسرى، وَ أرضعتك إياها أمك ، لا يا بُني هناك الواحد الأحد فتنطق ثناياك ( يارب)! فيا مَنْ تَجِدُ نفسَكَ غريباً بين البشر تَذكَّر أن هناك مَنْ لو ناجيته سمِعك، ولم يفشِ سرك ولم يزل يغدقُ عليك بالنعم مهما عصيت لا لأنك أهل بالسماح؛ ولكن لأنهُ أهلٌ بالمغفرة وكلما اقتربت منه أحاطت بك هالة نورانية تغنيك عن كل البشر..