- منصور الصيادي - سراة عبيدة قرية الوطن الأثرية بقرية آل الخلف هي إحدى القرى الخمس لقبيلة آل الخلف، وتقع قرية الوطن الأثرية بقبيلة آل الخلف قحطان بسراة عبيدة بمنطقة عسير، في الجزء الجنوبي الغربي للمحافظة كآخر قرية بالمحافظة على ضفاف تهامة في منطقة جغرافية أشبه ماتكون بالخيال، حيث تقع على ربوة مرتفعة متوسطة بين ثلاثة جبال ذات تكوينات صخرية رسوبية مرتفعة، يحدها من الجنوب ظاهر نطوان، ومن ثم منحدرات تهامة التي تعج بتاريخ مجيد لصبيان آل يعلى ردادة ترك بن عثمان، ومن الغرب ظاهر الخيالة، ثم سلسلة القرى والوديان الأخرى التابعة لقبيلة آل الخلف، ويأتي دونه الوادي الغربي حيث المدرجات الزراعية الخصبة والأبار العذبة ومن الشرق ظاهرالمفرخ وماتلاه من سلسلة جبلية منيعة ودونها مدرجات الوادي الشرقي الفسيحة، ذات العمق الجغرافي الضخم الذي يمتد قرابة الثلاثة كيلو مترات مع عدد هائل من أبار المياه السطحية العذبة والغزيرة والتي تشكل سويا أهم روافد اقتصاد الأهالي قديما. ولهذه القرية النادرة خصوصية فريدة جعلتها ترشح من بين 4500 قرية للتسجيل في اليونسيكو لتكون أجمل رموز التراث والحضارة القديمة، حيث تحتوي القرية التراثية على تكوينات معمارية متلاصقة فريدة بينها شوارع وسراديب خفية يستطيع الأهالي فقط التنقل بين تلك البيوت المترابطة بالتكوين المعماري عن طريقها، وعن طريق الأسطح أيضاً لتشكل فيما بينها قلاع حربية عظيمة، كما يميزها عدد 12 برجا حربيا شاهقا تصل الى سبعة ادوار جعلت لها ميزة وتفرد للسيطرة والقتال بالحروب، وتستخدم أيضاً لتخزين الحبوب ومعرفة الأبراج ومواسم الزراعة والحصاد والأمطار. ولقبيلة آل الخلف مواقع حربية عدة كان أشهرها حرب الغازي العثماني الثالثة عام 1334ه، عندما أرسل المتصرف في عسير رسالة للشيخ علي بن محي، يطلبه فيها التسليم والولاء فأعاد له الظرف وفيه رصاصة نبوت تغني عن كثير من الحوارات مفادها لا مناص من حربكم وطردكم من بلادنا فجيش الغازي جيشه مزوداً بالمدافع والخيول والبغال والجنود المدربين النظاميين، وتساقطت القرى التي في طريق الجيش واحدة تلو الأخرى، والتي كانت تخضع أداريا لشيخ قبيلة بني بشر حينها الشيخ علي بن محي، حتى أصبحت هذه القرية مكشوفة أمام الجيش الغازي، وتعرضت للقصف المدفعي الذي اخترق قصر الشيخ بن محي، فما كان من رجال آل يعلى ألا أن ازدادوا إصراراً وصلابة حتى استدرجوا الاتراك لوسط القرية، ثم فتكوا بعدد كبير منهم، وذلك لما تتمتع به هذه الأبراج والحصون من خصائص حربية مكنتهم من الغلبة والنجاة، ثم استدرجوهم مرة أخرى للمنحدرات الجنوبية للقرية حيث وقعت المعركة الحاسمة في جرف نطوان حيث انجر الغازي العثماني عجلاً للحاق بالأهالي الذين أوهموه بالإنسحاب والهروب، حتى تغلغل في بطن الأودية السحيقة التي لاقى فيها صعوبة بالحركة لعدم تعودهم على ذلك، فقام الأبطال الأشاوش بسحقهم من روس الجبال، وكان أول الضحايا قائد الجيش عثمان باشا أو كما يسمى عصمان باشا، وكبار ضباطه الذي كان يميزهم الزي بلون مختلف، ناهيك عن مئات الأفراد الذين يسمون البشتار لقوا حتفهم خلال سويعات قليلة، وقد قال الشاعر: عصمان يبغى الفيد من طور السراة هبنا حدايا العرش تشرب من دمه ليكشف الغازي متأخرا أنه وقع في فخ لم يعتد عليه، فتراجع الجيش فرادى ليضيعون في الأودية والأسر، ويعود مهزوما بعد قتل مايزيد على نصفه، وقادته وضباطه، حتى غدى الهارب يخلع ملابسه التي تميزه خوفا من استهدافه برصاص النبوت والشرفاء، تلك الأسلحة القديمة التي نخرت الجيش العثماني وفككته. وعاد الأهالي منصورين، وليدفنوا ضحايا الغازي في مقابر لازالت تسمى للان بمقابر الأتراك، وقرر الغازي أن لايعود لهذه القبيلة مرة أخرو حتى جاء العهد السعودي المبارك الذي سارع شيخ القبيلة ورجالها للولاء والطاعة وتسجيل أجمل صور الوفاء لله ثم لحكومتنا الرشيدة. وقد قال الشاعر العبيدي قصيدة مشهورة تصف حرب آل الخلف ضد الغازي العثماني يصف فيها تفاصيل تلك الحرب وإعداد الجيوش وخسائر الغازي قائلاً فيها: يابريدي من على بن تارك ترعى بوادي الراك في ذري قحطان بن عامر هل التوحيد وأهل الناله *** رح ليا هيجة لسد عندآل يعلى لحد يبراك وانص اخو زربه على إلى هبا دون المحرم مجزره *** أربعين كل من خط القلم من مات من البشتار اشبعو اطيور الخلا دون المحرم يامخيله *** ياقريني يوم تنشد في آل يعلى ماحد يزراك دافعو باموالهم ودميهم مادبرو من الحارة *** والبنادق والمدافع مثل برد بارك سمار يوم ردو مثل سيل الحشر من ذا يعدله *** غنت البيضاء لصبيان آل يعلى ماحد يزراك كل شاووش يدور للمزمار ضاع من بشتاره *** اخلفوهم من الطرق فضاع من عدى ورى الاطوار لم يروح المركز الا الفين والفين معيله كما قام مؤخرا فريق من أبناء قبيلة آل الخلف بإعادة الحياة إلى هذه التحفة المعمارية، ورسم أكبر لوحة فنية تشكيلية على جدارن منازل سوق الجمعة القديم، وإنارة القرية بالكامل وتنظيفها، وعمل أجمل إطلالة بأعلى مرتفعاتها تطل على المنازل والتاريخ والمجد التليد، وفتح ممرات الشامخات ليرتادها الزائر متى ماشاء، وتصبح مزارا لهواة التاريخ والموروث والتراث ، وكان ذلك في مبادرة نشامى الحي التي رعاها صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير وحصدت هذه الأعمال جوائز متقدمة لجودتها وتفردها. وكما كانت قرية الوطن الأثرية بقبيلة آل الخلف قلعة منيعة ضد الغازي العثماني فلا زالت شاهدا على ذلك وقصرا منيعا أيضا ضد كل غزو فكري وسدا منيعا لحدود بلادنا الغالية.