بن دليم الرحيل المُر    الجدعان: الاقتصاد العالمي يتجه لهبوط سلِس    البنك الدولي: المملكة مركزاً لنشر الإصلاحات الاقتصادية    إعفاء "الأهليات" من الحدّ الأدنى للحافلات    إخلاء طبي لمواطنة من كوسوفا    ماني: إهدار ركلة الجزاء لم يزعجني.. وهذا سر الفوز    الحزم يتعاقد مع المدرب صالح المحمدي    حمدالله: تجاوزت موقف المُشجع.. وصفقات الهلال الأفضل    أجواء ماطرة في معظم المناطق    بوابة الدرعية تستقبل يوم التراث بفعاليات متنوعة    نجران.. المحطة العاشرة لجولة أطباق المملكة    "الأمر بالمعروف" في أبها تواصل نشر مضامين حملة "اعتناء"    محافظ جدة يواسي آل السعدي في فقيدتهم    «أمانة المدينة» تعلن عن توفر عدد من الوظائف‬ للرجال والنساء    الخريجي يلتقي نائب وزير الخارجية الكولومبي    أسرتا باهبري وباحمدين تتلقيان التعازي في فقيدتهما    رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    حرس الحدود ينقذ مواطنًا خليجيًا فُقد في صحراء الربع الخالي    الرياض: الجهات الأمنية تباشر واقعة اعتداء شخصين على آخر داخل مركبته    سلام أحادي    اختيار هيئة المحلفين في المحاكمة التاريخية لترامب    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    وفاة الممثل المصري صلاح السعدني    المرور بالشمالية يضبط قائد مركبة ظهر في محتوى مرئي يرتكب مخالفة التفحيط    نوادر الطيور    مدرب الفيحاء: ساديو ماني سر فوز النصر    موعد مباراة السعودية والعراق في كأس آسيا تحت 23 عامًا    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    وزارة الخارجية تعرب عن أسف المملكة لفشل مجلس الأمن الدولي    الرمز اللغوي في رواية أنثى العنكبوت    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    بطاقة معايدة أدبية    المملكة ضمن أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وفقًا لمؤشر ستانفورد الدولي 2024    "الرياض الخضراء" يصل إلى عرقة    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    اكتشاف خندق وسور بجدة يعود تاريخهما إلى القرن 12 و13 الهجري    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    ضبط مقيم بنجلاديشي في حائل لترويجه (الشبو)    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    توقعات الأمطار تمتد إلى 6 مناطق    فوائد بذور البطيخ الصحية    السودان.. وخيار الشجعان    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيّها الشعراء.. إنّكم تهينون حبيباتكم!
نشر في عكاظ يوم 29 - 12 - 2021

إنّ مشيئة الله -عزّ وجلّ- في خلقه قضت بأن يكون الإنسان في أعلى سلّم الخلق بمزية حسن التقويم، لقوله عزّ وجلّ «وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم»، وهو حسن منظور في الهيئة والسمت وتكوين الأعضاء ووظائفها مزان كل ذلك بالعقل، وعلى هذا فهو حسن يتوافق تمام التوافق مع مشقة التكليف ب«الأمانة» التي تجافت عنها السماوات والأرض، وحملها الإنسان وفق الإرادة الربانية والتكليف الإلهي.. ولا يذهب الظن بأن حلول بقية مخلوقات الله بعد الإنسان لنقص في حسن الخلق والصنعة -تنزّه الله عن ذلك-، وإنما جاء خلقها على هذا النحو الذي هي عليه حتى تؤدي وظيفتها التي من أجلها خُلقت حقَّ الأداء ولا تتعداه، فسُلبت نعمة العقل المكلف بالتمييز كما في الإنسان، وبقيت لها «الغرائز» التي تسم حركتها في الكون ولا تستطيع تجاوزها أو الخروج عن سلطانها.. إذاً ففضل الإنسان على بقية المخلوقات إنّما يكون بشرف العقل المكلف بالتمييز والاختيار، وليس بسلطان الغرائز، ومتى ما تنازل الإنسان عن جوهر العقل واستسلم للغرائز دون وعي وإدراك وتهذيب لنوازعها وانفلاتها، فإنه بذلك ينحط درجة من «آدميته» إلى «الحيوانية» باختياره المحض.
هل كانت هذه الحقيقة البدهية غائبة عن المبدعين من الشعراء وهم يستلفون صفات من الحيوانات ليرقعوا بها وجوه محبوباتهم؟
فذاك يستلف عيون المها مقرباً بها جمال عيني محبوته.. وآخر يستدعي جيد الغزال ونفوره، وآخرون لم يتركوا بقر الوحش في بريّته، والطيور في أجوائها وأوكارها، والزواحف في جحورها.. فكل هذه وغيرها لحقوها حيث ما اختبأت، وكمنوا لها بأدوات التشبيه، وترصدوها بالاستعارات، وأخذوا منها صفات مستملحات بزعمهم، وألصقوها في كراسة التشبيه ظنّاً منهم أنّهم بذلك يقرّبون صورة الجمال، ويرسمون لوحة الإبداع، وما دروا أنّهم أساءوا المقصد، وضربوا بسهم الغفلة جمال حبيباتهم.. ف«حسن التقويم» يقف حائلاً دون هذا الترقيع المريع الذي يقومون به. فإن قال قائل إنهم إنما يقرّبون الصورة، ويضربون المثل، فالحجة هنا لا تصمد أمام حقيقة أن جمال الخلقة الإلهية في مخلوقاته مقدّرٌ على شكل الكائن نفسه ولا يتعداه، فعيون المها تظل على جمالها في المها لا تتعداه، كونها تتناسب مع حجمه ورسمه وتكوينه الخلقي، ولو خرجت منه إلى غيره لكان الأمر مختلاً تمام الاختلال، والأمر نفسه ينطبق على جِيد الغزال، فهو في الغزال أملح وأجمل وأوفق صنعة وخلقاً، وعلى ذلك قس.. ولو جرب مجرب أن يلم كل هذه المشبّهات «الحيوانية» وصنع منها صورة لامرأة ما، فمن غير المشكوك فيه أنّ الصورة ستكون من البشاعة بحيث تتجافاها العين
وينبو عنها النّظر.. ومن شك في ما نقول فليجرّب بنفسه، وأنا ضامن له «اكتئاباً نفسياً»، أسأل الله أن يكون مؤقتاً. وعلى هذا فإن ما قام به الشعراء السابقون وما سيقوم به اللاحقون من استلاف مشبهات جمالهم من «حظيرة الحيوان»، لا يمكن أن يفهم إلا من باب الغفلة وعدم الإدراك، فهذا الارتحال المقلوب في استدعاء مشبهات «الأدنى/‏ الحيوان» إلى مقام «الأعلى/‏ الإنسان» إنّما هو حطّ من قدر الأعلى ورفع لمكانة الأدنى، وليس في هذا من الإبداع في شيء، إذ كان المنتظر من السّادة الشّعراء أن يقفوا أمام حقيقة «حسن التقويم» ليكون القول ماتحاً من هذا الحسن على قدر سعة خيالهم، وليس محطة لترقيعهم البائس، الذي أحرج الحبيبات، ووضعهن في حرج أمام «الحيوانات».
ولو أنهم فتحوا أعينهم وعقولهم وبصائرهم بوعي على القرآن الكريم، وتأمّلوا الصّورة التي قاربت بين الإنسان والحيوان في مقام التشبيه فيه، لوجدوا أنّ أيّ تشبيه للإنسان ببعض صفات الحيوان إنّما جاء في مقام التقريع وبيان الخطل وقلة العقل.. انظر إلى قول الله عزّ وجلّ إجمالاً في المقاربة بالأنعام كما في سورة الأعراف: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً منَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»، وأيضًا قوله تعالى في سورة الفرقان: «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً». هكذا «الأنعام» بالجملة، وفي التخصيص ما يعمّق استدعاء الصورة السلبية في مقام التشبيه بين الإنسان والحيوان في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى في ذم اليهود في الآية الخامسة من سورة الجمعة: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»، وفي سورة الأعراف نجد التشبيه بالكلب توصيفًا لسلوك بعض الناس، إذا يقول الله تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ».
كل هذه الآيات وغيرها تقف شاهداً على أن عقد المقارنة بين الإنسان والحيوان في معرض المشابهة في محكم التنزيل إنما يجيء في باب الذم، ولن تجد أي آية تشير بالإيجاب، بما يؤكد أن هذا السلوك «المقلوب» من الشعراء وغيرهم من الواصفين في «تقبيح» وجه المحبوب بصفات الحيوان إنما هو «إهانة» ستظل حاضرة بنظمها المموسق، وقوافيها الرنّانة، وسيظل الغافلون يكتبونها لحبيباتهم في «الفلانتاين» وفي غيره، وسيظل المغنون يرددون «يا ريم» و«يا جدي» و«يا زرافة» و«يا مها» بذات الغفلة.. فمتى ينتبهون؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.