يوم أول من أمس السبت وافق ذكرى تأسيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، وهو الأقدم في مجاله وعمره يقترب من التسعين عاما، والمملكة لديها مجمع مشابه على الشبكة العنكبوتية بدأ من مكةالمكرمة وقد أتم العشرة أعوام، وفي 2019 تم تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ضمن المبادرات الإستراتيجية لوزارة الثقافة السعودية، وقبله مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية، والمملكة لديها مراكز وكراسي بحثية لخدمة اللغة العربية في الداخل السعودي، وفي أمريكا وإيطاليا وبريطانيا وروسيا واليابان وغيرها. بالإضافة لما سبق، هناك أكثر من 149 وثيقة تحتوي على مراسيم ملكية وقرارات صادرة من مجلس الوزراء السعودي، وفيها تعزيز لمكانة اللغة العربية في التعاملات اليومية، وفي البنوك والقضاء والمعاملات التجارية، وحتى في أسماء المحال، والثابت أن الالتزم بها ليس مرضياً بالدرجة الكافية، فالمعرفات الخاصة بالجهات الحكومية على الفيسبوك وتويتر تخلط ما بين اللهجة المحكية واللغة المكتوبة، وفي صفحاتها أخطاء نحوية وإملائية فادحة. ثم إن بعض المناسبات السعودية تعتمد اللغة الإنجليزية للمتحدثين فيها، رغم أن غالبية حضورها عربي، في تجسيد عملي لما وصفه البريطاني روبرت فيليبسون بالهيمنة الثقافية في كتابه: الإمبريالية اللغوية، مع إمكانية أخذها بأسلوب الأممالمتحدة في الترجمة الفورية، وأصحاب المحال يفضلون الأسماء الغربية على العربية، وإن لم تكن غربية في أصلها، وربما كان ذلك لأسباب اقتصادية وسيكولوجية، فمعظم العرب لا يثقون في الماركات المحلية، ويرون الفخامة والجودة في كل ما هو غربي. كذلك لا يكفي أن يقتصر التحدث بها على مناهج اللغة العربية ونشرات الأخبار والكلمات السياسية، ولو أن بعض التعليم والإعلام العربي يستحسن توظيف اللغة الدارجة في هذا المجال، ولا يرى إبرازها في الدراما والبرامج التلفزيونية، علاوة على أن معظم الأطفال العرب يفضلون البرامج التثقيفية الغربية على يوتيوب، ولا يجيدون الكلام لا باللغة العربية ولا باللهجة المحلية، والإنترنت يتصفحه ما يزيد على 150 مليون عربي ومحتواه المتاح بالعربية لا يتجاوز 7%، ومستخدمي الشبكات الاجتماعية من العرب يكتبون بلغة هجين تدون بالحروف والأرقام يسمونها العربيزي وهذا يمثل تهديدا للهوية العربية، فاللغة ناقل للتاريخ والثقافة والدين، والبديل اللغوي في مرحلة الطفولة المبكرة قد يؤدي إلى نتائج صعبة، لأنها تمثل المرحلة التي تتشكل فيها قيم الطفل وسلوكياته التي ستبقى معه طوال حياته، وهذا لا يلغي أهمية إتقان اللغات الأجنية في فترة لاحقة. لا أحد يشكك في اهتمام المملكة بخدمة اللغة العربية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ولكن المسألة تحتاج لجهد أكبر يخرج اللغة العربية الصحيحة من الصورة النمطية التي وضعت فيها، ومن حصرها الاجتماعي والثقافي في أوساط معينة، حتى لا يضيق استخدامها كما هو الحال في اللغتين القبطية واللاتينية.