ليس أجمل من الهروب إلى تاريخ الكرة الجميل، نفتش في صفحاته، فنعثر على قصص في ندرة الألماس. وإن قلبنا في صفحات أسطورة كرة القدم، وناصية تاريخها، وعلامتها الأبدية، بيليه، نشعر لوهلة أن الأسرار والمغامرات والمواقف في حياة هذا اللاعب العظيم قد تكون أكثر من أهدافه المائتين والتسعة والسبعين بعد الألف! ومنها، وضمن قلة انكشف لثامها، أنه حُرم من شعور النجومية بعد أن سحر البشر في مونديال 58، وهو في سن 17 عاما، حين أحرز هدفا مذهلا وأسطوريا، في نهائي كأس العالم 1958 أمام المنتخب السويدي، نحت به اسم البرازيل في أذهان الكوكب، قال عنه مدافع السويد بارلينغ، الذي كان خصما له في ملعب النهائي، وأحد الشهود الذين رأوا الهدف التاريخي الذي لم يبارح مكانه حتى اليوم في ذاكرة الكرة، قال بارلينغ: «كنت سأذهب لأحتفل معه!». بعد كأس العالم، تم إجبار بيليه بواسطة النظام الدكتاتوري السابق في البرازيل آنذاك، على أداء الخدمة العسكرية، ولم يتم استثناؤه مثل أبناء الأثرياء الذين ما كانوا يمثلون قيمة للبلاد مقارنة به، كأسطورة وبطل من أبطال البلاد التاريخيين. وجاهد الرئيس خورخي كوري -حينذاك- لإنقاذ نادي سانتوس من تلك الكارثة، كارثة أن يغيب اللاعب الأفضل على الإطلاق عن الفريق. ودخل بيليه بطل العالم وأيقونة الكرة العصرية في ذلك الزمان، في الصباح التالي، في نوبة بكاء طويلة، ليس خوفا من العسكرية وقسوتها، أو فزعا من جهامة الجيش وغلظة العمل فيه، ولكن لأنه شعر بعنصرية النظام، وعدم التقدير لنجوميته، التي أصبحت حديث الناس بعد أن أجلس بلاده على كرسي عرش الكرة! وأرتدى المجند 201 بزته العسكرية، واعتمر خوذته.. وأمسك بالبندقية.. وأدرك بيليه الذي ورث عن والده دوندينهو الجلادة والذكاء، وكان متعلقا به بشدة حتى وفاته في التسعينات، وقد كان والده لاعبا، لكن لم يترك تاريخا كبيرا وراءه، أدرك أن طريقه إلى الأسطورية الذي بدأ للتو لن يكون مفروشا إلا بالأشواك! وأنه سيعاني في نجوميته، كما عانى في طفولته من الفقر، ومن مسح أحذية الأثرياء طيلة النهار، ومن الحرمان، الذي جعله يلعب بكرة مصنوعة من جورب محشو بأوراق الصحف القديمة! تبقى المعاناة في الطفولة وفي مشوار النجومية.. قاسما مشتركا بين الأساطير، وهذه قصة من حياة بيليه، لا يعرفها الكثيرين، وكانت دليلا دامغا أن بطولات الأبطال مهما كان حجمها، كان يصحبها الألم، وتجري معها الدموع.