تعتبر جائحة كورونا التي ما زالت تجتاح العالم، وتسبب إشكالات فادحة، وتداعيات وسلبيات صحية واجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة، من أسوأ ما مر على العالم منذ عام 1945م، عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. ولا ندرى، حتى الآن، متى ينتهى هذا الوباء الفتاك، ويضع أوزاره هو الآخر. فقد أُعلن وباء عالمي يوم 11 مارس 2020م، بعد أن اجتاح العالم، ابتداء من شهر ديسمبر 2019م، منطلقا من الصين. وداهم، حتى اللحظة، أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وقتل أكثر من 300 ألف شخص، في 192 دولة. ولم يتعاف منه إلا حوالى ربع المصابين. ومن الصين وصل إلى أمريكا، مرورا بأوروبا، فأمست أمريكا أكثر البلاد تضررا من هذا الوباء. إذ قارب عدد المصابين الأمريكيين به المليون شخص، وعدد المتوفين بسببه حوالى 100 ألف، في هذه الدولة العظمى، التي يتوقع أن تصبح أقل عظمة بعد كورونا. ورغم أن بحوثا مكثفة تجرى، على قدم وساق، في مختبرات العالم المتقدمة، لإيجاد مصل وعلاج لكورونا، إلا أن هذه المحاولات ما زالت في طور التجربة، وما زال العالم ينتظر، على أحر من الجمر، اختراع مصل ودواء شاف لهذه الآفة القاتلة. ويعتقد أن جائزة «نوبل» 2020م في الطب تنتظر من ينجح في استحداث مصل ودواء شاف لهذا المرض المميت. لذا، نرى كثيرا من العلماء المتخصصين يتسابقون الآن للوصول إلى العلاج المأمول، ومن ثم تحقيق هذا النصر المبين المستحق. **** وعلى الجانب السياسي، يُجمع كثير من المراقبين حول العالم بالقول إن تداعيات ونتائج كورونا الكارثية ستجعل العالم (أو هكذا يجب) يراجع و«يعدل» الكثير من مساراته السابقة الخاطئة، ليصبح وضعه -ربما- أفضل من وضعه قبل تفشى كورونا به. وإن حصل ذلك بالفعل، تكون كورونا «ضارة نافعة».. خاصة إن غيرت القوى العالمية المتنفذة من سياساتها وأوضاعها السلبية، واستبدلتها بسياسات إيجابية.. همها الأول سلامة وأمن الإنسانية. وذلك إن حصل، فسيكون العالم في وضع أفضل مما كان عليه قبل كورونا. ولكن، ما كل، ولا حتى نصف، ما يتمناه المراقبون السياسيون الخيرون سيدركونه. نعم، في كل الأحوال، غالبا ما سيتغير العالم، كعادته، وعادة كل الأنظمة البشرية. التغيير هو سنة من سنن الحياة السرمدية. والمتوقع أن «يتغير» العالم بشدة بعد كورونا في عدة مجالات. فهذا الوباء صفع العالم صفعة قوية، لدرجة ترغمه على مراجعة و«تعديل» كثير من أحواله السابقة على كورونا. ولا يملك المراقبون إلا تمني أن تكون التغييرات المتوقعة إيجابية في معظمها. وفي مقال الأسبوع الماضي، تحدثت عن أهم المجالات- في تصوري- التي ستطالها المراجعة العالمية المتوقعة (التعاون الإقليمي والعالمي، حظر أسلحة الدمار الشامل، العولمة، الرأسمالية، التحقيق الأممي في ما حدث... إلخ). وسأحاول اليوم، وبمنتهى الأمانة، والاختصار الذي يحتمه الحيز المتاح للمقال، أن أتصور تأثير كورونا على المنطقة العربية بعامة، والتي تعرف ب«الشرق الاوسط». **** كيف ستكون هذه المنطقة بعد كورونا؟! لو حاولنا أن نتنبأ، أو نتوقع، الوضع الذي ستكون عليه المنطقة بعد كورونا، يمكن أن نلخص ذلك فيما يلي: معظم هذه المنطقة، مع الأسف، هي أكثر مناطق العالم، في الوقت الحاضر، سخونة واضطرابا وعدم استقرار. وهناك مسببان رئيسان لما المنطقة فيه من صراعات وقلاقل، سافرة وخفية، هما المسببان الذاتي والخارجي المعروفان. ولا يتوقع زوال هذين المسببين، في المدى القريب، على الأقل. وأكبر وأخطر الحقائق السياسية المؤلمة في أغلب المنطقة، ليست هي الصراعات الساخنة حاليا (رغم خطورتها) بل هي السياسة الصهيونية الاستعمارية، التي تهدف لإقامة إسرائيل الكبرى والعظمى، عبر تجزئة وتقسيم كثير من دول المنطقة، على أسس عرقية ومذهبية وإثنية، وتحويلها إلى دويلات مستضعفة. هذا كان حال المنطقة قبل كورونا، وأثناء كورونا، وأيضا بعد كورونا، كما يبدو. والله أعلم. * كاتب سعودي [email protected]