سيكون خطأً عربياً إستراتيجياً خطيراً لو استمر النظر إلى ما يفعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أنه مجرد حماقات سياسية ورعونة في فهم العلاقات الدبلوماسية بين الدول وطموح ساذج لا إمكانية لتحقيقه، أو إنه يعاني من تضخم الذات والنرجسية كحالة شخصية تنعكس على تصرفاته دون أن يكون لها أبعاد وأهداف أخرى مرسومة ومخطط لها. أردوغان مهما كانت مشاكله في الداخل يبدو أنه يمارس ما يمارسه وفق مخطط سياسي تركي متفق عليه حتى لو بدا أن هناك معارضين لبعض سياساته، وربما هناك تواطؤ دولي أو رضا أو سكوت على الأقل إزاء ممارسات تركيا الأردوغانية، لا تنسوا أن مخطط الربيع العربي الذي أوكل تنفيذه إلى الإسلام السياسي، تنظيم الإخوان تحديداً، كانت تركيا الرافعة الأهم له وفق دور مرسوم ومحدد لها، وبعد الفشل الجزئي للمخطط في بعض الدول المستهدفة، وشبه النهائي في مصر أهم تلك الدول، زاد سعار أردوغان، وحاول التعويض عن ذلك الفشل بتدخلات سافرة وبكل صلف وجرأة، وبشكل غير مسبوق في التأريخ العربي الحديث. إنها فضيحة عربية بكل المعايير ما يفعله أردوغان في ليبيا العربية وأمام مرأى العالم العربي والمجتمع الدولي، ثم تأتي تدخلاته في تونس اعتماداً على حركة النهضة الإخوانية وزعيمها الغنوشي الذي يدين بالولاء الكامل لأردوغان، ويضيف إليها زيارته إلى الجزائر دون أي مناسبة مفهومة، ليكون بذلك الزعيم غير العربي الذي يسرح ويمرح في الساحة السياسية لدول عربية مهمة، ويصرح بما يشاء ويتدخل كما يشاء، بعد عبثه في سوريا ووضع أقدامه في قطر. إنها ليست لعبة بسيطة، ولا مماحكات سياسية، ولا استفزازات عابرة، بل إصرار لدولة على دس أنفها في شؤون عربية داخلية بشكل علني لتحقيق أهداف بعيدة المدى، بينما يقابل كل ذلك دبلوماسية هادئة جداً للدول العربية لا تتفق مع خطورة ما تقوم به تركيا، وإنما تشجعها على التمادي. أفيقوا يا عرب، وانتبهوا لما يجري، وردوا على هذا التدخل التركي بما يحقق الردع الذي يلجم أردوغان وطموحاته التوسعية. [email protected]