استثارت ظاهرة قراءة (الهُواة) للآثار حفيظة الآثاريين والمؤرخين (المحترفين)، ففي حين يذهب العاطفيون من عاشقي التنقيب في المواقع الأثرية إلى تأصيل مفهوم تواصل الحضارات وتداخلها وتكريس مبدأ أن أرض الجزيرة العربية كانت مهد رسالات سابقة وديانات مختلفة، يتحفظ البعض من المتخصصين على مثل هذا الطرح، استناداً إلى شواهد وقرائن منها بداية عصر الكتابة والتدوين، وأبدى بعض الآثاريين قلقاً كبيراً من الاجتهادات الذاتية القائمة على قراءات لنقوش حديثة وإسنادها إلى ما قبل ألفي عام. ولم يخف البعض خشيته من تضليل المجتمع بقناعات فردية لا تمت إلى واقع التاريخ والجغرافيا بصلة. ويعزو الباحث الأنثربولوجي علاء اللامي اعتماد باحثين عرب في كتاباتهم عن الجغرافيا التوراتيّة العسيريّة أو اليمنيّة إلى المقابلة اللغوية، لتأكيد أن مسرح حياة وعيش بني إسرائيل جنوب غرب جزيرة العرب في (اليمن) تحديداً لا فلسطين، ويرى أن هذا الفهم القائم على تطويع بعض حروف المفردات، في النصوص الدينيّة (التوراة)، أو غير الدينيّة (كالنُّصُب والألواح والبرديّات القديمة)، أو قلبها أو حذفِها أو تقديمِها أو تأخيرها، من أجل الوصول إلى جذر يجمعها بقريناتها المعاصرة في جغرافيا جبال السروات غير موضوعي ولا منهجي، وأوضح أن كمال الصليبي بدأها قبل نصف قرن، وبلغتْ ذروتَها مع كتابات فرج الله ديب وفاضل الربيعي، وعدّها أقربَ إلى لعبة لغويّة يمكن أن يمارسَها أيُّ شخصٍ لا علاقة له بعلوم التاريخ واللغة والجغرافيا كي يُثْبت، أنّ المسيح (الناصريّ) وُلد في مدينة الناصريّة جنوبالعراق، لا في بيت لحم الفلسطينيّة، مع أنّ عُمْر الناصريّة (العراقيّة) لا يزيد على قرنين ونصف القرن كونها تأسّستْ في عهد الشيخ ناصر الأشقر باشا السعدون، المولود سنة 1772، وسُمّيتْ باسمه لأنّه بناها على نفقته الخاصّة. وتساءل أيُّ علاقةٍ تجمعها بيسوع المسيح قبل أكثر من ألفيْ سنة؟ ويذهب أستاذ التاريخ عضو مجلس الشورى الدكتور أحمد الزيلعي إلى أن العودة إلى عمر الأرض وتصدع جبال السروات لا يمكن أن يحدده إلا جيولوجيون متخصصون في دراسة عمر الكون، ويرى أن النقوش والرسوم والحروف في جزيرة العرب لا يزيد عمرها على 800 عام قبل الميلاد. ويؤكد الأكاديمي الآثاري الدكتور سليمان الذييب أن ظاهرة القراءة غير المتخصصة للآثار قائمة في أكثر من منطقة، وعبّر عن أسفه أن تخرج دراسات جزافية لترسخ في أذهان العامة ما ليس له حقيقة، وكشف أن تاريخ الرسوم عرف في الألف الرابع قبل الميلاد، في بلاد الرافدين جنوبالعراقين، مضيفاً أنها انتقلت إلى مصر بالرسوم والمقطعية، ولفت إلى أن الأبجدية لم تظهر إلا عام (1500) قبل الميلاد تقريبا وتبناها الفينيقيون في لبنان، وأوضح أن جزيرة العرب لم تعرف الكتابات إلا عام 1200 قبل الميلاد من خلال النقوش الثمودية التي ظهرت شمال غرب المملكة. وعدّ تحميل الآثار من التفسيرات ما لا تحتمل مضللاً، ويدفع لتبني أفكار خاطئة عن تاريخ البلاد وتراثه. فيما تساءل الآثاري الدكتور فيصل الطميحي عن دور أقسام الآثار في الجامعات السعودية، وتطلع إلى افتتاح المزيد منها في جميع الجامعات ليحقق كل قسم آثار المنطقة التي هو بها، ليقدم القسم عنها حقائق بدءا من المسح الجيوفيزيائي مروراً باستخدام الليزر وانتهاء بالنانو تكنولوجي وتطبيقاتها، مؤملاً قطع التخرصات والتأويلات بالمعرفة كوننا في زمن العلم. فيما عدّ الروائي عمرو العامري اليقينية التي يحاول البعض بها خلط التأريخي بالأسطوري والشعبوي كذباً على التاريخ وتزييفا للحقائق بادعاءات باطلة تروي قصصا من الخيال، ويرى أن هذا النسق الاحتفائي بالأسطوري من أكاديميين يفرض علينا مساءلتهم عن الأمانة العلمية والاتكاء على الأبحاث التاريخية الموثقة والفهم الدقيق لتسلسل الزمن، ويذهب إلى أن الاستشهاد بأسماء مواقع عمر بعضها لا يتجاوز عشرات السنوات تضليل كبير كون الجبال وجغرافيتها تبدلت على مدى السنين نتيجة للزلازل والبراكين والتحولات الجيولوجية، وحذّر من تكريس التفكير الأسطوري والاستنتاجات السهلة والمريحة في المجتمع كونها تدخل في المهايطة. وطالب بتكليف جهة علمية لمناقشتهم وفضح جهلهم ومحاسبتهم على جناية بعضنا على التأريخ والأدب بالتفسيرات الدينية.