كنت إلى وقت قريب مثالا للإنسان الملتزم بمواعيده، كنت مولعاً بحكمة (الوقت كالسيف)، كنت أقف أول واحد في طابور المدرسة، وحين التحقت بالوظيفة صارت المنشأة تضبط ساعتها على مواعيدي، كنت أذهب مبكراً لموعد الجلسة ولا تزال أروقة المحكمة خالية، حتى في المناسبات الخاصة كنت دائماً في مقدمة المهنئين، ولن أنسى بمعرض ذكرياتي مواعيدي بذلك (الكافيه) المطل على شارع المؤلفين عندما كانت تبرد قهوتي وأنا أدندن أغنية عبادي الجوهر (ماجته.. يحتريها موعده مل انتظار.. وماجته)!. اليوم بعد أن كبرت ونضجت عرفت متأخراً أن الحريص على مواعيده بهذا الزمان يعد أكبر مغفل، إنه في نظر الناس الأقل أهمية وموهبة ومكانة، لهذا يعمد للحضور المبكر -وربما يسبق حارس الموقع- ليغطي قدراته المتواضعة بوهم: احترام المواعيد! أهم من في المحكمة هو القاضي ومع هذا قد يتأخر أحياناً حتى العاشرة، أكثر اللاعبين موهبة بالحواري والأندية الرياضية هم أكثرهم (بزوطة) وعدم التزام بمواعيد التمارين، وأقرب مثال على ذلك الأسطورة يوسف الثنيان، حتى في الاحتفالات السنوية نجد المسؤول الأعلى منصباً ومكانة يصل آخر واحد بالقاعة، كذلك كبار الرؤساء التنفيذيين لا تبدأ سياراتهم الرولزرويس والمرسيدس في الدخول لفناء جهات أعمالهم إلا بعد الحادية عشرة صباحاً، وأحدهم المدعي الغلبان أو اللاعب العادي أو الشخص الذي نادرا ما توجه له بطاقة دعوة أو الموظف البسيط، من يحاولون إخفاء قدراتهم البسيطة خلف قناع الوقت من ذهب!. تصديقاً لنظرتي، هناك دراسة حديثة أثبتت أن من يحضرون متأخرين هم الأكثر إبداعاً ونجاحاً، حيث قال موقع lndy 100، إن من لا يلتزمون بالمواعيد المحددة للقاءاتهم وأنشطتهم المختلفة هم أقل عرضة للضغط العصبي، وهم الأكثر تلقائية وانفتاحاً على الحياة، وهم الأكثر تفاؤلاً وحماساً وانخراطاً في العمل مما يقربهم أكثر لتحقيق أهدافهم. المؤلم في هذا كله، أن من يحاسبوننا على التأخير ولو بعذر مشروع هم أكثر من يضربون بمواعيدهم عرض الحائط، لهذا أعلنها صريحة عبر هذا المنبر بأنني لن أحترم المواعيد بعد اليوم حتى يحترمها المسؤولون ويحضرون مبكراً، حتى ألاحظ المشاريع تنتهي فعلياً وفق الجدول الزمني المعلن عنه، حتى تخلص الدراسة التطويرية على أرض الواقع بتوطين الوظائف بالنسب والمواعيد المحددة، لن أحترم المواعيد بعد اليوم أيها السادة حتى أرى الحاكم العربي يتنحى عن السلطة بمجرد انتهاء الفترة الرئاسية المحددة بالدستور دون تعديل!.
