شهدت بداية ثمانينات القرن الماضي مرحلة تحول في المجتمع السعودي على كل الأصعدة، فعلى الصعيد الاجتماعي أسهمت الطفرة المادية التي حصلت نتيجة لارتفاع أسعار النفط في تحويل المجتمع من مجتمع منتج إلى مجتمع استهلاكي وتم استبدال الكثير من الأيدي السعودية العاملة في المجال المهني والحرفي بالعمالة الأجنبية بسبب هجر السعوديين لهذه المهن وازدرائهم لمن يمارسها، كما أسهم حضور هذه العمالة الأجنبية بأعداد كبيرة في نشر العديد من العادات والسلوكيات والألفاظ الغريبة على المجتمع السعودي. أما على الصعيد الديني فقد كان التحول كبيرا بسبب ثلاثة عوامل رئيسية أولها أن المجتمع كان بسيطا من ناحية العلم الشرعي وكانت العادات هي المتحكمة في تصرفات الناس، وهذه العادات وإن اختلفت فيما بينها بحسب المناطق إلا أنها مستمدة في الغالب من الدين الإسلامي، والعامل الثاني هو الحرب الأفغانية ضد السوفيت والتي أجّجت العاطفة الدينية لدى العديد من المواطنين، أما العامل الأخير فهو استمرار استقطاب النخب والمفكرين والعلماء الإسلاميين من الدول العربية لمواجهة المد الشيوعي والقومي، ولقد أنتجت هذه العوامل الثلاثة ما يعرف بجيل الصحوة، وعلى الرغم من الدور الذي لعبه هذا الجيل في محاولة نشر الوعي الديني إلا أنه وقع في ثلاثة أخطاء كبيرة، أولها أنه حارب العادات بدعوى أنها جاهلية ومخالفة للشرع وهي التي كانت تشكل رادعا للكثيرين من الوقوع في بعض الأمور بداعي الخوف من العيب، وفي نفس الوقت لم يعزز الرادع الديني في قلوب الناس، لذلك أصبح الكثيرون بلا رادع فلا العيب يردعهم ولا الحرام يزجرهم، كما أن المجتمع كان متسامحا ومتعايشا مع الآخر، فكل فئة تحترم عادات الفئة الأخرى ولكن التفسير الخاطئ لمفهوم الولاء والبراء تسبب في حالة من الكراهية والإقصاء بين أفراد المجتمع. وأما الخطأ الثاني فكان في جعل المرأة هي محور الدين حتى وصل الحال إلى شيطنتها وشيطنة كل ما يتعلق بها، وأنه ينبغي التضييق عليها بحجة الحفاظ عليها. وثالث الأخطاء كان في تقديس رموز الصحوة والذين أثبت الوقت تناقضهم وعدم تمسكهم بمبادئهم، ما جعل حجة انتقادهم مدخلا للطعن في ثوابت الدين من قبل البعض. أخيرا وحتى يعود المجتمع إلى الطريق الصحيح فإنه بحاجة إلى صدمة مادية مع توعية بأهمية الأعمال المهنية والحرف اليدوية ليعود مجتمعاً منتجاً بدلا من كونه استهلاكيا، كما أنه بحاجة إلى تجديد في الخطاب الديني يساهم في تعزيز القيم الإسلامية السمحة لتكون رادعاً لكل من تسول له نفسه في مخالفة الشرع بعيدا عن الغلو أو التمييع ويساهم في نشر ثقافة فن الاختلاف.