بقلم: أ. سامية الطويرقي العنصرية تلك الكلمة المقيتة التي حملت أبشع معاني الظلم تجاه البعض لسبب غير مبرر قد يكون اختلاف في عرق أو لون أو جنسية أو دين أو مستوى اقتصادي وقد تكون للعنصرية وجوه مختلفة نلاحظها في وقت ما، ونشعر بها لِتخفّيها بوقت آخر، وبالرغم من أن كل الأديان السماوية والأعراف الإنسانية أنكرتها الا أننا مازلنا وحتى الوقت الحاضر نعاني منها بشكل أو آخر. وما يهمنا الآن ليس الحديث عن العنصرية بل الحديث عن بعض ممن خلد التاريخ ذكرهم في محاربة العنصرية ومنهم (آنيليس ماري آن فرانك) تلك الطفلة التي سجلت يومياتها أثناء تواجدها في مخبأ سري لعامين هرباً من القمع ضد اليهود في المانيا. بداية القصة كانت عندما حصلت "آن" على هدية ذكرى ميلادها الثالث عشر والتي شاهدتها قبل عدة أيام من المناسبة في أحد المتاجر حيث لفت نظرها أثناء تجولها مع والدها دفتر مغلف بقطعة قماش مطرزة بمربعات بيضاء وحمراء وبه قفل جانبي صغير وهو ما يخصص عادةً لكتابة مشاعر وكلمات الأهل والأصدقاء إلا أن "آن" قررت استخدامه كمذكرات لها والتي أصبحت فيما بعد ذلك بأيام من أقوى وأبرز ما كتب في القرن العشرين، حيث تحول لكتاب يرصد فترة زمنية معينة وترجم لأكثر من سبعين لغة كما أنشئ لتلك الطفلة دار تحمل اسمها تحولت فيما بعد لمتحف بأمستردام يستقبل زواره منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا . تلك القصة هي نموذج يحكي لنا مولد كاتبة في سن الطفولة لم تكن تحمل سوى بعض الأفكار والمشاعر ودفتر صغير تسجل فيه كتاباتها وتلهمنا لمتابعة مراحل بناء شخصية الكاتب الصغير والتي سأتناولها بالذكر واحدة تلو الأخرى. القدرة على الكتابة تسبقها مرحلة أساسية وهي مرحلة القراءة فلا يوجد كاتب لم يقرأ الكثير والكثير حتى إذا وصل حد معين يختلف من فرد لآخر تحول من قارئ نهم الى كاتب. وكي أجعل طفلي شغوف بالقراءة يجب أن تكون القراءة روتين يومي للعائلة فتخصص مساحة بالمنزل لمكتبة يجمع فيها مختلف الكتب منها كتب عن الطبيعة وعن الحيوانات والكائنات المجهرية والموسوعات والقصص المختلفة وكتب السير ولذلك دور كبير في تنمية حب القراءة خاصة إذا ما خصص وقت يومي أو حتى أسبوعي للعائلة لمناقشة بعض الكتب التي تمت قراءتها، فالتنوع في المحتوى والقدوة من الكبار المحبة للقراءة والحوارات حول القصص والمعلومات تجعل من القراءة متعة تضاهي متعة الذهاب في رحلة أو التشارك في لعبة. كما أن لطريقة القراءة مع الطفل كذلك دور في جذب انتباه الطفل حيث الجلوس مع الطفل بطريقة صحيحة فيها احتواء يشعر الطفل بالأمان والحب، وللمكان ايضاَ دور فالمكان المخصص والمريح كمكتبة بالمنزل يهيئ الطفل للتركيز والاهتمام ولأسلوب القراءة دوره فالبدء بالقراءة بصوت هادئ والبدء بعنوان الكتاب ثم بالكاتب ثم الرسام أو المصمم يعطي للطفل تقدير لقيمة هؤلاء وعملهم يلي ذلك الانتقال لموضوع الكتاب والسماح للطفل بمشاهدة الصور والرسومات داخل الكتاب يعمل على تأكيد وصول المعلومات واستمتاع الطفل بها ، كما أن التفاعل وإظهار المشاعر أثناء الالقاء ضروري لتعويد الطفل على التعاطف ورؤية الحياة من عدة زوايا، وبعد الانتهاء من جلسة القراءة سؤال الطفل عن ما استفاده من القصة لقياس ما استنبطه الطفل من القصة ثم ترك الحرية للطفل لوصف مشاعره عن الأشخاص والأحداث داخل القصة أو الكتاب وماذا يحب أن يغير فيها ولماذا واخيراً ترك الفرصة للطفل إذا وصل لمرحلة القدرة على الكتابة في أن يسجل خلاصة للكتاب أو يكتب بعض الملاحظات عنها حتى ينتقل من مرحلة القراءة إلى مرحلة الكتابة فيفكر ويخطط من أين يبدأ وكيف يستخدم المفردات ويصيغ الجمل وهو ما يشكل شخصية الكاتب فيما بعد . وأخيراً تقديم القصص والكتب والدفاتر كهدايا في المناسبات يوصل رسالة للأطفال عن القيمة العالية لها وهو ما يساعد ايضاً على تنمية حب القراءة والكتابة لديهم وهو ما كان محفز ومثير بسيط لإبداع الكاتبة الصغيرة (آن فرانك) ونختم بمقولة الطفلة " لقد أدركت أنه يجب عليّ الاستمرار في مذكراتي ومدرستي حتى أتخلص من الجهل وأعيش حياة أفضل وأصبح صحفية، فأنا أعلم أن بإمكاني الكتابة 00 ولكن يبقى السؤال هو هل لدي الموهبة ؟ " *خبيرة في مجال الطفولة المبكرة