قد لا يلتفت له كثيرون، أنها فكرة سورية أصيلة لمُصور يُسمى مُخابراتياً "عميل مزدوج، كان مُكلفاً بتوثيق جثث الذين ماتوا في السجون العسكرية السورية من قبل الشُرطة العسكرية السُورية، بين عامي 2011 إلى 2013، لتكون عاكسته صورة تلك بتعاونه سراً مع حركة العمل الوطني من أجل سوريا، وفي عام 2014، قام المصور الذي سُمي لاحقا ب"قيصر" كلقب مستعار، (لمعركة بأدوات اقتصادية)، بتهريب عشرات الآلاف من الصور الفوتوغرافية، حتى وصلت إلى عرين الكُونجرس والأمم المتحدة، لتتحول إلى أداة فعالة لتشريع قانون يُحاسب من الباطن إيران وحزب الله ومليشياتهما الإرهابية على انتهاكات حقوق الإنسان بدلاً من الصورة التي يُروجها الطرفين على أنهما مُستهدفين لأسباب سياسية. لكن "قيصر" كان مرآةٍ لصُورهِ في بلد الحضارات، لا "سوريا المليشيات"، مُتسبباً بأزمة قلبية للاقتصاد الإنساني السوري بعد موجة خوف وقلق بقطاع واسع من رجال الأعمال والتُجار حتى اللبنانيين وغيرهم ممن يتعاملون مع سوريا، بهدف عدم تحويل أي نصر سوري إلى رأسمال سياسي، قد يُعزز فُرص المليشيات فيها إلى أجل غير مسمى، ومُعاقبة حُلفائه بُغية إجبارهم على القُبول بالحل السياسي للأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن 2254.. لتتسع العقوبات بتحديد ما إذا كان "المصرف المركزي السوري"، هو كيان من النوع الذي يُشكل "مصدر قلق رئيس في غسيل الأموال مع إيران وأي من الأطراف والجهات الإقليمية والدولية التي تُفكر في الاستثمار أو العمل في سوريا، وفي مقدمتهم رُوسيا وإيران اللذين لم يعودوا قادرين على "تعويم العملة السورية " وفقدها حوالي 70 % من قيمتها في حين يعيش أكثر من 90 % من السوريين تحت خط الفقر، والبقية هُم من تُجار الحرب المُستعرة منذ 2011 تتحكم بمعظم ما تبقى من نشاط اقتصادي في البلاد، حالها حال العراق ولبنان التي تُقدر قيمة الودائع السورية الخاصة في مصارف لبنانية بأكثر من 50 مليار دولار أمريكي من إجمالي 170 مليار دولار قيمة الودائع في المصارف اللبنانية. من الجيد تحقيق مقولة "الصديق وقت الضيق"، لكن ليست في زماننا أو المكان السوري، إذا كان الصديق نفسه يعاني ويلات العقوبات كإيران التي قدمت أكثر من 30 مليار للأسد خلال السنوات التسع الماضية إلى جانب تجنيد عشرات آلاف المُقاتلين الشيعة من العراق وأفغانستان وإيران ولبنان، وحليفتها ذات المصالح السياسية "روسيا" لتوطيد وجودها بالمنطقة، ونهب خيراتها، إذ مع تمكين موسكو الأسد من تحقيق "النصر"، لم يرتفع ترتيب "سوريا" عالمياً إلا انحداراً، فاحتلت المرتبة 173 من أصل 176 دولة وإقليم عام 2016، والمرتبة 178 من أصل 180 من عام 2017 : 2019.. أما "تركيا"، فاقتصادها المُتفكك وتحويلها لدولة إخوانية شتتها ودمر شعبها، لتًصبح الدُول الثلاث في أوضاع اقتصادية صعبة لتدهور سعر النفط والعقوبات الغربية المفروضة، والصراعات، جعلهم إما عاجزون عن إغاثة سوريا أو يُريدون إضعافها أكثر للحصول على مزيد من التنازلات خدمةً لمصالحهم... فلا الآلة العسكرية الروسية المُدمرة ولا المقاتلون الشيعة الذين جندتهم إيران دفاعاً عن الأسد، ولا الهمجية التركية وإرهابييها، قادرون الآن على مُساعدة سوريا في أزمتها الجديدة التي استهدفت أصلاً لُقمة العيش والأفواه الجائعة بعقوبات طالت 37 فرداً وكياناً وحتى الأشخاص الأجانب، لتكون تمهيدًا لعقوبات أُخرى شديدة إذا لم تخرج منها مرتزقة إيران والموالية لها و«حزب الله» وغيرها لتجاوزهم القوانين والأعراف الدولية، التي وصفتها واشنطن ب «سلوكيات العصابات وقطاع الطرق»، و«محترفي الإجرام الأسود »، وطالما حاولت الولاياتالمتحدة تحويل التوتر بينها وبين إيران إلى حرب دولية تطال رحاها الأبرياء، وتركها اللاعب الأساسي أو اللاعبين على الأرض ينهبونها، دون إقدام منها لوضع حد لهم بطريقة فعلية مُباشرة، كما يفعلون وقد يُصبح رفض روسيا تقديم تنازلات في مجلس الأمن الدولي، سبباً جديداً للعقوبات، رغم كونه يضرب الأوساط الحاكمة في سوريا، إلا أنه يُفاقم الانقسام الملحوظ في العائلة العلوية ليصدق حال الوضع بكلمات حسام الدين محمد من قصيدته (العشاء الأخير للجندي الذبيح)، مختنقاً كملايين السوريين، صوته تماماً بنشيج مكتوم: لأننا رضعنا حليب أم واحدة ولعبنا معا بأرجوحة المصير الشقي.