لانهضة إلا بالصناعة ” لماذا لم نتقدم ؟ “ أ.د محمد احمد بصنوي هذا السؤال راودني كثيرًا الفترة الأخيرة، فبلادنا تعوم على بحر من النفط وتمتلك الموارد البشرية والطبيعية والعقول المُفكرة التي تكفي أي منطقة في العالم، لكي تتحول إلى دولة عُظمى في أقل من عشر سنوات، والإجابة على هذا السؤال كانت تفتح المزيد من الأسئلة في ذهني: هل هناك سرًا وراء هذا الأمر؟.. العالم يتغير من حولنا ، حتى الدول التي كانت منذ سنوات قليلة يُطلق عليها دول متخلفة وفقيرة ولا تمتلك أي موارد تذكر حققت نهضة كبيرة ، لماذا تتخلف أمة تمتلك كل سبل التقدم، في الوقت الذي تتقدم فيه أمم معدومة الموارد الطبيعية مثل اليابان على سبيل المثال لا الحصر؟. قبل الحديث على أسباب فشل تحقيق (نهضة حقيقية) في معظم الدول العربية، خاصة الخليج، عليك أن تطلع أولاً على هذه الأرقام لتعرف حجم ما وصلنا إليه من تخلف وانهيار, فعلى سبيل المثال يصل الناتج القومي للعالم العربي 2.6 ترليون دولار وفقًا لتقرير اليونسكو لعام 2016، في حين الناتج المحلى للولايات المتحدةالأمريكية منفردة وصل ل20.4 تريليون دولار وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2018، أي ما يقدر ب 25.1% من حجم الاقتصاد العالمي، أما الإنفاق العربي على البحث العلمي يتراوح ما بين 0,1 % إلى 1 % من الناتج المحلي الإجمالي ، في حين أن الإنفاق المحلي لكيان الاحتلال الاسرائيلي في البحث والتطوير العلمي يتراوح ما بين 4,6 % إلى 4,8 %، أما نسبة المحتوى العربي الانترنت من إجمالي المحتوى على الإنترنت 0.6% مع نهاية 2018، وتأتي في المرتبة 17 عالميا وفقا لإحصاءات “دبليو ثري تيكس”، لك أن تعلم أن المنطقة العربية لم تخرج سوى شخص واحد حائز على جائزة نوبل في مجال العلوم هو العالِم الأمريكي من أصل مصري الدكتور أحمد زويل الذي نال جائزة نوبل للكيمياء عام 1999، هذه الأرقام والحقائق تُعطيك مؤشراً عاماً على الواقع الذي نعيشه الآن، لا أريد أن أكون مُتشائماً، ولكن الأرقام لا تكشف سوى الحقيقة والمُعاناة الذي يعيشها الوطن العربي . للأسف الشديد لم نفلح في صناعة أي شيء، حتى لعب الأطفال نستوردها، لم نتوصل إلى اختراع شيء حقيقي، لماذا لا نستثمر أموالنا في صناعة الأجهزة الذكية؟ أو البرمجيات ؟أو المحركات أو حتى صناعة العاب الأطفال، كثيرة هي الأسباب التي يمكننا أن نعزو إليها هذا التخلف، وعلينا أن نتذكر ابتداءً أنها نتاج تراكم طويل على مدى عشرات السنين، ولقد كُتبت كثيراً في هذا المجال، غير أننا سنحاول هنا تلخيص ما يمكننا اعتباره أسباباً رئيسية، وهي: أولاً : عدم التوجه بقوه نحو الصناعة من خلال وضع خطط منهجية واضحة المعالم وتنفيذها على أرض الواقع، وربط التعليم بالصناعة والبحث والابتكار، فهذا هو الطريق الأقصر والأسهل والأكثر ضماناً لطفرات اقتصادية ضخمة، هذا ما طبقته كوريا الجنوبية، وما فعلته الهند والصين، وسارت عليه ماليزيا وجنوب افريقيا ومن قبلهم أمريكا وأوروبا ، كل هذه الدول تقدمت وحققت نهضة صناعية وتقنية من خلال هذا الأسلوب، بينما للأسف الشديد لا تهتم بعض الدول إلا باستخراج النفط وبيعه، واستيراد السلع من الخارج، وتدعي أنها حققت نهضة وازدهار. ثانيًا: عدم الاهتمام بالتعليم وربطه بسوق العمل، فللأسف الشديد الجامعات كل عام تُخرج لنا آلاف من الطلاب الذي لا يصلحون لسوق العمل، فبدون تعليم يضاهي المعايير العالمية لا يمكن الانخراط بالأعمال الرقمية وتحقيق نهضة صناعية، والتحول نحو التجارة الإلكترونية ، فبدون التعليم والارتقاء بالإنسان في الخدمات كافة، لن يكون هناك عملية تنموية قادرة على نقل البلاد إلى الرخاء والازدهار. يا سادة الثروة البشرية أغلى مورد في أي دولة، فأي موارد أخرى تحتاج إلى موارد بشرية مؤهلة لإدارتها وتطويرها، فالاقتصاد الماليزي منذ ما يقرب من عقدين كان مبنيا على الزراعة، والآن يرتكز على تكنولوجيا المعلومات، كل هذا بفعل الاستثمار في الإنسان وهو ما أدى إلى انخفاض معدل الفقر من 50% إلى 1.75% خلال أربع عقود فقط، ومن أكثر الأمثلة واقعية على ما يمكن أن تحققه الثروة البشرية المؤهلة هي كوريا الجنوبية ، فأحد أسرار تقدم كوريا الجنوبية هو الاستثمار في الإنسان والتعليم، وهي تعد من أكثر الدول تطورًا في مجال التعليم، ومنذ انفصال كوريا الجنوبية عن كوريا الشمالية من عام 1950 إلى 2010 كان دخل الفرد في كوريا الجنوبية 30 ألف دولار، بينما دخل الفرد في كوريا الشمالية لا يتجاوز ألف دولار، مع أنهما كانتا دولة واحدة ، فهما نفس الشعب ونفس العادات والتقاليد، ونفس التاريخ، إلا أن التعليم في كلا الدولتين مختلفًا! الاستثمار في البشر أهم من الاستثمار في الحجر، فالعنصر البشري المؤهل يستطيع أن يصنع المعجزات، ولعل أبرز مثال على ذلك ، سويسرا فهي دولة فقيرة الموارد تصدر صناعات بمليارات الدولارات مثل الشوكولاتة والجبن والساعات، كما تتربع على عرش المراكز الأولى في مؤشر السعادة العالمي، دولة مثل سويسرا ليس لديها منجم ذهب ولا تزرع البن الذي تستخدمه في صناعة القهوة ولا تزرع الكاكاو الذي تستخدمه في صناعة الشوكولاتة، وبالنسبة إلى الساعات، نلاحظ أن لديها أكثر من 600مصنع ساعات تصدرها إلى الخارج، وبعض الساعات تستغرق شهورًا لتصنيعها، والمؤسف أن ساعة سويسرية أغلى بكثير من برميل نفط عربي، ماذا عن اليابان؟ بالرغم من مساحتها الصغيرة وضعف مواردها وعدم صلاحية معظم أراضيها للزراعة أو تربية المواشي، فهي ثالث أقوى دولة اقتصاديًّا عام 2017. وأخيرًا وليس آخرًا، إن حديثي ليس للبحث عن جواب لسؤال لماذا لم نتقدم, بقدر ما هو محاولة لإظهار نقطة نور، والتأكيد أننا قادرون على تحقيق التنمية والتقدم المنشود لبلادنا العزيزة، إذا ما أخذنا بأسباب التقدم مثل الدول التي سبقتنا سالفة الذكر.