في خضم الحياة الصاخبة، وتحديداً في بيئة العمل تمر بنا العديد من المواقف التي يكثر فيها المتحدثون، منهم من يتحدث ويوجز، ومنهم من يتحدث ويتحدث ويُلمع حديثة الطويل الذي يحرص ليكون لامعاً وبراقاً لأبعد مدى. قد ينخدع الكثير بهذا التلميع الفاخر من صاحبنا المتحدث طويل النّفس؛ وكأنه بكلماته العريضة التي تتناثر في الهواء وتطرق طبلات الآذان يُبشر بإنجاز باهر يعقب ثرثرته الطويلة. ولكننا بعد كل ذاك التصفيق والتأييد ورفع رايات الإعجاب لانرى شيئاً من الإنجاز يضاهي التلوث الضوضائي الذي سببته حروفة المنمقة، وكلماته الرنانة. هنا نتذكر معاناة إخواننا الهنود عندما ينزعجون من ثرثرة أحدهم، فيقولون بلهجة عربية مكسرة: "هذا نفر قرقر كتير". وما أكثر هؤلاء الثرثارين بيينا وفينا ومنا، وكأن ويليام شكسبير كان يقصدنا في مسرحيته التي بعنوان: "جعجعة بلا طحن". وعلى الطرف الآخر ننظر لصاحبنا الموجز، والذي قد نكون حكمنا مسبقاً على ضعف مهاراته لأن تغريداته لم تُشبع الآذان، ورؤيته لم يزخرفها بألوان قوس قزح. وإذا بتلك الكلمات الموجزة تتحول إلى إنجازات ملموسة، ومتتالية، تصحبها الجودة وينميها الإبداع. *متى نعي ياصديقي* أن العبرة ليست بكثرة الكلام والخطب والشعارات، التي لانجني منها سوى الكثير من الضجة والقليل من العمل.