لا صوت يعلو على صوت "إجازة اليوم الوطني"، فاليوم المكاتب الحكومية والمقاعد الدراسية تخلو من روادها، بعد ضم دوام الأحد لإجازتي السبت والاثنين، بقرار من الديوان الملكي، وكان اليوم الوطني يمر قديماً بدون اهتمام شعبي، ولولا بعض الأناشيد الوطنية التي تعرض على التلفزيون الرسمي وبعض الكتابات في الصحف لما علم به أحد، فتاريخ الثالث والعشرين من سبتمبر كان يمر على السعوديين بدون ضجيج، إلى أن أقرت إجازة اليوم الوطني لتتحول بعدها هذه المناسبة إلى حدث سنوي، تبرز فيه الطقوس المتنوعة والتعابير المتباينة، فصاحب فكرة إقرار الإجازة نجح وبامتياز لتحويل الأنظار إلى الحدث دون الوصول لكل أهدافه. المتأمل لأشكال الخطاب في اليوم الوطني يجد أن هناك طرحاً مختلفاً بين أشكاله، فالمسؤولون والكتاب الحكوميون يجدونها فرصة للحديث عن الإنجازات الوطنية والتباهي بها، والتعبير عن الولاء للقيادة، وتأكيد الاصطفاف خلفها، ولم يحقق هذا الخطاب بشكله القديم المستمر إلى اليوم نجاحات باهرة في تسويق "الوطنية" على كل شرائح المواطنين؛ لأن هناك من يتهمها بالمزايدة ويصفها بالتطبيل تحت تهمة أن هؤلاء نفعيون يمدحون، لأنهم استفادوا أكثر من غيرهم من كعكة الوطن . كلنا نحب الوطن وكل يحب الوطن على طريقته، وفي النهاية يجب أن يكون وطننا بيتاً كبيراً يسع كل المختلفين، وأن يكون في هذا البيت حديقة كبيرة يتحدث فيها الجميع وفي المقابل نجد من يستغل هذه المناسبة لتوصيل "التشره" خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يكثف من "الحلطمة" التي تعود عليها طول السنة تحت شعار عريض يقول : نحن نستحق المزيد، وهذا الخطاب يتهم بأنه ينظر بعين واحدة تركز على السلبيات ولا تلتفت إلى الإيجابيات الكبيرة التي يخطوها البلد. وفي هذا التوقيت أيضاً، تعاد نشر بعض الفتاوى، التي تعارض فكرة الاحتفال لأنه عمل يخالف الشريعة التي لا تقر الاحتفال إلا بالعيدين، فهذه مسألة خلافية بين العلماء، وكثير من الذين يحترمون هذه الفتاوى يتهمون الخطاب الديني بالتقصير في تعزيز مفهوم "الوطنية"، وأنه يتحدث عن هموم "الأمة" بحماس، ويمر على هموم "الوطن" ببرود. كلنا نحب الوطن وكل يحب الوطن على طريقته، وفي النهاية يجب أن يكون وطننا بيتاً كبيراً يسع كل المختلفين، وأن يكون في هذا البيت حديقة كبيرة يتحدث فيها الجميع، وأن يلتحم المختلفون ضد كل عدو يريد اقتحامه، وأن يكون هَم "التنمية" قاسما مشتركا بين سكان هذا البيت الكبير. "الوطنية" ليست شرهة فتوهب، وليست تهمة فتوصم، والحديث عن "الوطنية" لايجوز أن يكون أداة مزايدة، لأن الوطنية غريزة فطرية تجعل الإنسان يحب بلده وينتمي له، وعلينا معالجة الأمراض التي تشوه هذه الغريزة. إذا فرقت بين الوطنية الصادقة، وبين المواطنة الصالحة، ستعرف أننا كلنا وطنيون، ولسنا كلنا مواطنين صالحين.