قال الزهري ليونس بن يزيد: «يا يونس، إياك وغلول الكتب». قال يونس: «وما غلول الكتب»؟ قال: «حبسها عن أصحابها». ولو أخذ الأصدقاء بوصية الزهري لأعادوا إلي الكتب التي استعاروها مني. ولو عادت إلي لأقمت احتفالا بعودتها. ولأفردت لها رفوفا خاصة مميزة، تحت عنوان (كتبٌ مُحرَّرة). (الإعارة والاستعارة) عادة جميلة مزعجة لا بد منها. ولا يعرف المرء، والكاتب خصوصا، قيمة الكتاب إلا حين يكون بأمس الحاجة إليه، إما للإجابة عن سؤال حائر، أو للاطمئنان على صحة معلومة، وحين يبحث عنه فلا يعثر عليه، لا يملك عندئذ إلا أن يضرب كفّا بكف مرددا قول الشاعر: «وفي الليلة الظلماء يُفتقَدُ البدر»! يرى الصديق الراحل عبد العزيز مشري ( رحمه الله ) أنه لا يجوز منع المعرفة أو حجبها، واعتبر بعضهم ذلك المنع بمثابة (منع الماعون). لذلك، فتح مشري باب مكتبته على مصراعيه، وأتاح رفوفها للأصدقاء، لكنه خصص دفترا للإعارة يُسجل فيه اسم المستعير، وعنوان الكتاب المستعار، وقد أخبرني أن أحد الأصدقاء الظرفاء، وبدلا من أن يكتب اسمه في خانة المستعير، كتب هذه العبارة: «المستعير من الرمضاء بالنار»! وهو تحريف لعبارة «المستجير من الرمضاء بالنار». وعندما اكتشف مشري هذه العبارة الظريفة، ذهب إلى مكتبة صديقه واستعاد كتبه المستعارة أو المنهوبة كاملة. لذلك، يقترح بعضهم أن يُطلب من المستعير (رهنا) على أن يكون كتابا مساويا للكتاب المستعار في قيمته الأدبية. أعرف صديقا (يجيز) سرقة الكتب من مكتبات الأصدقاء، لكنه يحاذر استضافة أحد في مكتبته. ولعله بذلك ينفذ وصية البوطي الذي يقول: «احفظ كتابك فإنه إن ذهب لك كتابٌ لم تجد بركة».. وأخبرني أحدهم عن صديق معروف بكرمه إلا حين يتعلق الأمر بإعارة الكتب وقد كتبتُ، منذ زمن بعيد، مقالا يحمل العنوان نفسه، لعل «ضمائر» بعض الأصدقاء تستيقظ، فتعود إليَّ كتبي (المخطوفة). لكن شيئا من ذلك لم يحدث. مع ذلك، فقد اتصل بي صديق (ممن ناشد المقال ضمائرهم الحية) ليخبرني أن المقال ممتع لما تضمنه من طرائف عن الإعارة والاستعارة، وأنه يتفق معي أن آفة الكتب إعارتها للأصدقاء. وانتظرت أن يقول: سأعيد لك كتبك قريبا.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث. أعرف صديقا (يجيز) سرقة الكتب من مكتبات الأصدقاء، لكنه يحاذر استضافة أحد في مكتبته. ولعله بذلك ينفذ وصية البوطي الذي يقول: «احفظ كتابك فإنه إن ذهب لك كتابٌ لم تجد بركة».. وأخبرني أحدهم عن صديق معروف بكرمه إلا حين يتعلق الأمر بإعارة الكتب، فإنه يصبح أبخل من الشاعر مروان بن أبي حفصة. بل هو مثل مسافر البلخي الذي يقول: «أجودُ بجلّ مالي لا أبالي/ وأبخلُ عند مسألة الكتابِ»! وذات ليلة اختار أحدهم من مكتبته كتابا فلسفيا صغير الحجم، ودسّه تحت الأريكة، كي يأخذه عند انصرافه، دون أن يلفت إليه الأنظار، وبعد أن انتهت السهرة، وانفض السامر، مد يده تحت الأريكة، والتقط الكتاب، ودسّه في جيبه، لكنه فوجئ عند وصوله إلى منزله بأنه قد اختار من تحت الأريكة كتابا آخر لا علاقة له بالفلسفة، وإنما هو كتاب عن «آلام الحمل والولادة»، وقد كان ألم المفاجأة ووقعها عليه أشد من آلام الحمل! وبعد، فقد أثار هذه التداعيات كتاب صغير في حجمه عظيم في قيمته، عن الموضة بين باريس وبغداد العصر العباسي، فقدتُه منذ سنين، ولا أدري في أي بيت من بيوت الأصدقاء قد استقر. لا تقترحوا علي أن أستعين بالشبكة العنكبوتية لأحصل عليه، فقد فعلت ذلك، ولم أعثر له على أثر. [email protected]