في أواخر شهر مايو 2018 افتتح معرض بينالي البندقية للعمارة السادس عشر، حيث تشارك المملكة العربية السعودية لأول مرة هذا العام كواحدة من 63 دولة. وتعتبر المشاركة إنجازا معماريا تاريخيا للمملكة؛ نظرًا لأهمية المشاركة الدولية في مثل هذه المحافل في حوار معماري من خلال أحد أهم المعارض المعمارية الدولية، والذي يدوم مدة ستة أشهر وحتى أواخر شهر نوفمبر من العام الحالي. في عام 2018 كانت القيمتان الفنيتان على البينالي هما المعماريتان الإيرلنديتان إيفون فاريل (Yvonne Farrell) وشيلي ماكنمارا (Shelley McNamara) وموضوع المعرض المعماري الذي اختاروه هو Freespace والذي يمكن ترجمته على أنه «الفضاء الحر». تأتي المشاركات الوطنية للدول المشاركة كرد أو إعادة تعبير للموضوع العام المطروح حيث تم تفسير «الفضاء الحر» بعدة مفاهيم ومن ثم ترجمتها معماريا لتصبح جزءا من حوار معماري عالمي. جاءت مشاركة المملكة من خلال تنظيم المفوض وهو مسك للفنون حيث تم اختيار قيمتين فنيتين (curators) هما جواهر السديري وأنا. أما المعماريان فهما عبدالرحمن وتركي قزاز من بريك لاب (Bricklab). مشاركة المملكة في جناحها في موقع الأرسينالي (Arsenale) هو بعنوان «الفضاءات البينية» (Spaces in Between) حيث اعتبرنا أن الفضاء الحر هو أداة للنمو وتحديدا نمو المدن وتطرقنا لقصة التمدد العمراني الذي تعيشه مدن المملكة. فإثر طفرة النفط والهجرة إلى المدن والتخطيط، تسارع التمدد العمراني لتصبح أحياؤها السكنية مفصولة عن بعضها البعض بالطرق السريعة. كان التخطيط الشبكي والتوسع السريع سببا في جعل السيارة هي وسيلة التنقل الأساسية حتى أصبحنا لا نعيش أو نستهلك مدننا إلا من خلالها. بهذا أصبحت المدن والسيارات أدوات للعزلة الاجتماعية. الآن وقد أصبحنا نعي تأثير التخطيط العمراني للمدن علينا ومع أهمية الإنسان ومعايير جودة المعيشة أردنا تسليط الضوء على أهمية العمارة والعمران في تحسين حياة الناس. وجانب مهم من ذلك هو في توفير الأماكن العامة والاجتماعية. تصميم الجناح ينقسم إلى ثلاثة أجزاء. أولها: مساحة تشكل المقدمة وتظهر أشكالا أسطوانية مبهمة تدعو للاستكشاف. أما الجزء الثاني والأكبر: فهو عبارة عن فضاءات أسطوانية الشكل ومتفاوتة الأحجام. بعضها متداخل والبعض مستقل بحيث تمثل الدوائر الاجتماعية التي نتحرك بداخلها. إن السير داخل الأسطوانات يعد تجربة وسردا في وقت واحد. فالفضاءان الأولان يسردان قصة التمدد العمراني للرياض وجدة ومكة وحاضرة الدمام مبينة أن ما يفوق 40٪ من الأراضي داخل نطاقها العمراني تعد أراضي بيضاء تجعل المدن مترهلة وقليلة الكفاءة. الفضاءان الثالث والرابع يقربان التجربة الشخصية للمدن وذلك من خلال محاكاة التنقل بداخلها وكذاك من خلال مشاركات السكان في تطبيق سنابتشات حيث إن جزءا كبيرا من المحتوى العام يتم التقاطه من داخل السيارة. الفضاء الخامس هو الأكبر والذي يوحي بشكل المجلس الذي يجمع الناس. يتكون من مساحة غائرة للجلوس وبها سجادة مطبوعة. في هذا الفضاء ندعو الزوار لاستكشاف مفاهيم الاندماج والعزلة الاجتماعية حيث يحيط بمكان الجلوس سماعات موجهة يسمع من خلالها صوتيات تجمعات متنوعة لا يمكن سماعها الا بالانعزال عن الجماعة. الجزء الثالث والأخير هو المنتدى الذي يعطي الزائر فرصة أعمق لفهم مدننا ويوفر مساحة للنقاش. تجدر الإشارة إلى أن الجناح صنع بمادة الراتنج وهو أحد المشتقات البترولية ليرمز إلى تأثير النفط على تكون مدننا. إن هدفنا ليس وضع الحلول الأحادية بل هو دعوة للحوار بما يمس حياتنا في المدن لنصل سويا إلى الحلول المرضية.