لم يشهد الاقتصاد العالمي حالة تجمع بين وصفين متناقضين كوضعه الراهن بين حاضر مشرق ومستقبل غامض. فبحسب التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي سيتمكن من استعادة انتعاشه بوتيرة سريعة على مدار العام الحالي قبل أن تضربه عاصفة قوية. ويعزو التقرير ذلك إلى الحرب التجارية المستعرة بين الصينوالولاياتالمتحدة، والحرب السورية، والانسحاب الأمريكي المحتمل من الاتفاق النووي الإيراني، والعقوبات الغربية التي تستهدف الاقتصاد الروسي، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووسط هذا السياق الجيوسياسي، يرتكز الانتعاش الاقتصادي الحالي على أسس مالية هشة، فالديون العامة والخاصة مرتفعة للغاية ولاسيما بالبلدان المتقدمة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، بعدما سجل إجمالي الدين العالمي نحو 164 تريليون دولار. وهو الأمر الذي سيحد من قدرة الدول على التصدي للركود الاقتصادي حال حدوثه. وبحسب التقرير الذي نشرته مجلة «بوليتكو» الأمريكية على موقعها الموجه لأوروبا، سيرتفع النمو خلال العام الحالي مثلما حدث في 2017. فمن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي عالميًا بنسبة 3.9 في المائة في 2018 مقابل 3.8 في المائة في العام الماضي. وبالتالي سيظل الانتعاش القائم على الاستثمار في ذروته في الأشهر القليلة القادمة. ولكن سرعان ما سيتآكل هذا الانتعاش في ظل الحمائية والحروب التجارية المحتملة، فضلًا عن سلسلة من المخاطر غير الاقتصادية مثل النزاعات الجيوسياسية والأزمات السياسية والكوارث الطبيعية. وبحسب التقرير فإن أوروبا وسط هذا السياق الواقعي ليست في موقع مثالي. فالنمو الاقتصادي بالقارة العجوز وإن كان يبدو قويًا بالمعايير الحديثة إلا أنه أضعف بالمقارنة مع بقية العالم. فمن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في 2018 بنسبة 2.5 في المائة في الاتحاد الأوروبي مقارنة ب 2.9 في المائة في الولاياتالمتحدة و 4.9 في المائة في الأسواق الناشئة والدول النامية. كما أن القارة الأوروبية قد تصبح ضحية للحروب التجارية التي لم تكن طرفًا فيها بين الصينوالولاياتالمتحدة، والتي تقوض بالكلية الثقة في الأعمال العالمية. ونقل التقرير تحذيرات ل «كريستين لاجارد»، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، بشأن خطر تمزق النظام التجاري متعدد الأطراف الذي تم تشييده منذ الحرب العالمية الثانية. وتأتي هذه التصريحات بعد سلسلة مماثلة من التحذيرات من جوقة من الأوروبيين لتؤكد أنه ليس ثمة فائزون في الحروب التجارية، وإنما الكل خاسر حتى ولو بدرجات متفاوتة. ويشير التقرير إلى أن المصدر الرئيسي لضعف أوروبا يعود إلى تأخرها في الإصلاحات وافتقارها للأدوات التي قد تساعدها إذا واجهت انكماشًا اقتصاديًا حادًا. وهذا العجز على الإصلاح داخل منطقة اليورو، بحسب مسؤول في المفوضية الأوروبية، هو الخطر الكامن الذي يهدد الانتعاش. وأظهر تقرير ألماني في الأسبوع الماضي تزايد النظرة السلبية للمستثمرين بشأن نمو أكبر اقتصاد في أوروبا. وقال المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية إن احتمالية حدوث كساد في ألمانيا خلال الأشهر الثلاثة القادمة تصل إلى 32 في المائة، وهو ما يمثل زيادة حادة مقارنة ب 6.8 في المائة في مارس الماضي.