في عالم تتزايد فيه المؤثرات الخارجية محاولة جذب انتباهنا في شتى الاتجاهات ومع تزايد التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وكثرة التنبيهات التي تشتت انتباهنا، أصبح التركيز صعبًا جدًا. يبدو التركيز صعبا على الكبار والصغار سواسية وهذه مشكلة حقيقية حيث أصبحنا نتأثر بالمحفزات الخارجية دون تحكم بكميتها ولا بكيفية دخولها مرارا وتكرارا في يومياتنا. نصبح ونمسي وندمن عليها بجرعات متزايدة. من كثرة ما يمر علينا ننسى أغلبها ونظن بأن وجود المعلومة في أجهزتنا يجعلها سهلة وفي متناول يدينا متى ما وددنا الرجوع لها ولكن ذلك غير صحيح. نعتقد أنه كما وجدنا هذه المعلومة من الأساس سوف نسترجعها عندما نحتاجها. نتناسى في ذلك أمرين هما أن المعلومة وجدتنا ولم نبحث عنها في الغالب وأننا لم نولها الاهتمام الكافي لنجعلها تنتقل من ذاكرتنا قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى وباختصار لم نتعلمها. وإن كان هذا حالنا مع ما نتلقى من رسائل ومعلومات في صياغات مختلفة فما بالنا بالأحداث التي تمر علينا كتجارب حياتية؟ بهذه التجارب لا أقصد دروس الحياة الكبيرة والمؤثرة بل بما يمر علينا في يوم عادي من محادثات وتعاملات ومواقف مع مختلف الناس. هل نستمد منها دروسا تنفعنا للمستقبل؟ في الغالب نرى هذه الأحداث على أنها تجارب مستقلة غير مترابطة. أي أننا ننظر لها ببساطة على أنها لا تتعدى الحدث؛ كوننا لا نعتبرها فرصا للتعلم. ويصف علماء النفس هذه الحالة ب«الفهم العرضي للواقع» (episodic grasp of reality). ولكن من أجل أن نجعله ذا معنى وفائدة لا بد لنا أن نمر بمرحلة التعلم وذلك من خلال التفكر والتأمل والاستبطان (reflection). إن الكلمة الإنجليزية تصف بالنسبة لي المعنى بشكل أفضل. فالمعنى الحرفي هو الانعكاس أي كأننا ننظر بالمرآة ونصف ما نرى فيها وبذلك تأملنا واضطررنا لتوضيح ما نرى. إن الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (John Dewey) قال «نحن لا نتعلم من التجربة... نتعلم من التفكير في التجربة» وهذا تحديدا ما نحتاجه أي التفكير بما نمر به من تجارب. في يومنا المكتظ بالمعلومات المتلاحقة لا يسعنا أن نفكر بتجاربنا كثيرا. ما الذي استفدناه وماذا تعلمنا؟ كيف يرتبط بما نعرفه مسبقا وهل يغير تعلمنا الجديد بعض من مفاهيمنا التي نحملها معنا على أنها مسلم بها؟ إن أفكار (ديوي) ما زالت ذات تأثير في التعليم الذي أصبح ينتهج نهجا قويا في التأمل والتفكر فيما نتعلمه. من الضروري ألا نجعل تجاربنا التعليمية عابرة. علينا أن نستجوب ونفهم بعمق تجربتنا الإنسانية كأفراد وكمجتمع وأن نفهم ما الذي فهمناه ونعرف مصادر علمنا. فالفيلسوف الصيني (كونفوشيوس) يقول إن «التعلم بدون تفكير مضيعة والتفكر بدون تعلم أمر خطير».