اعتاد كثير من الأمم والشعوب الاحتفال سنويا بيوم محدد يسمى باليوم الوطني أو يوم الاستقلال أو ذكرى الثورة، أو غيرها من المسميات التي تعيد إلى الأذهان يوما مجيدا في تاريخها تقف فيه لتستلهم من الماضي دافعا لغدٍ مشرق. والمملكة العربية السعودية شأنها شأن كثير من دول العالم أعلنت الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام يوما وطنيا تحتفل فيه بذكرى عظيمة ونقطة تحول عملاقة، ألا وهي تأسيس الدولة السعودية الثالثة باسم المملكة العربية السعودية وملكها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، رحمه الله، وذلك في الخامس من شوال سنة 1351 للهجرة الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر 1932. وفي الذكرى الثامنة والثمانين لهذا العام نقف لنستلهم بعض الدروس والعبر، ونتذكر بعض المواقف والأسماء والأحداث بشكل مختصر لنسلط الضوء على حقبة مشرفة من تاريخنا يجب أن تكتب بمداد الفخر والأنفة لتقرأها الأجيال القادمة، وتفخر بها كما نفخر بها في هذا اليوم. أولا: مرحلة التأسيس والفتوحات بدأت منذ عام 1319 هجري في فتح الرياض وما جاورها والقصيم والأحساء وعسير ثم حائل والحجاز وما تبقى من منطقة جازان لمدة تقارب الثلاثين عاما، أو تزيد بذل فيها الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصون النفس والمال لتوحيد أطراف هذا الكيان العظيم المترامي الأطراف. ثم تتابع في الملك من بعده أبناؤه العظماء سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، رحمهم الله جميعا، فكان كل واحد منهم مدرسة عليا في الإدارة والقيادة، وزخرت عهودهم بما لا يمكن حصره من النماء والتطور والريادة في كل مجالات الحياة. عاش فيها المواطنون نقلات عملاقة وتطورا سريعا في شتى مناحي الحياة. فحظي التعليم بنصيب الأسد من ميزانيات الدولة منذ أكثر من ثمانية وثمانين عاما، كان نتاجها الملايين من الرجال والنساء الذين قادوا ويقودون مسيرة البناء والتطوير، متسلحين بالعلم والمعرفة، فأضحوا علماء وقضاة وأطباء ومهندسين وأكاديميين وفنيين ومعلمين وطيارين تميزوا محليا وعالميا، وحصدوا أعلى الأوسمة والشهادات العالمية، وشهد لهم القاصي والداني بالتفرد والتفوق. وقس على ملحمة التعليم السعودي مجالات الصحة والصناعة والنقل والخدمات الاجتماعية ورئاسة الحرمين الشريفين، والهيئات العليا والجامعات ومراكز الأبحاث، إلى غيرها مما لا يمكن حصره من أوجه التطور الذي اختصر التاريخ ليصل في فترات وجيزة إلى ما عجزت عنه كثير من دول العالم في عقود طويلة بفضل الله وحده أولا، ثم بفضل القيادة الرشيدة ووعي وحب المواطنين.