أرسل إليّ من خارج العراق كاتب يسألني مرسله: هل تؤمن بزعامة مصر الأدبية للشرق العرب؟ فكتبت إليه الجواب التالي: إن الزعامة في العلم والأدب لا يمكن أن تكون لقطر على آخر أو لبلد على بلاد أخرى إلا إذا كان للأول على الثاني زعامة في السياسة أيضاً. ذلك لأن القطر أو البلد الذي له زعامة سياسية يكون مركزاً يأوي إليه من الأطراف كل ذي علم وأدب فيجتمع فيه النبوغ العلمي والأدبي. وبذلك يتسنى له أن يقود ما يتبعه من البلاد إلى ما شاء من علم وأدب. وتلك هي الزعامة التي تحصل له في العلم والأدب مع زعامته السياسية بحكم الضرورة. وليست مصر كذلك بالنسبة إلى الشرق العربي حتى تكون لها الزعامة الأدبية عليه. نعم! لا ينكر أن مصر قد سبقت الشرق العرب بنهضتها الأخيرة في العلم والأدب سبقاً زمانياً، ولكنها لم تنشر فيه ثقافة، ولم تعرف فيه للعلم والأدب طريقاً. وإنما أرسلت إليه بقصد التجارة كتباً وجرائد ومجلات. وبالإجمال أرسلت إليه مطبوعات. ولا ينكر أن الشرق العربي انتفع بمطبوعاتها، ولكن ذلك لا يجعل لها عليه زعامة في العلم ولا في الأدب. فإن جاز أن يجعل ذلك لها زعامة أدبية على الشرق العربي جاز أن تشاركها في تلك الزعامة بيروت لأنها أرسلت بقصد التجارة أيضاً إلى الشرق العربي ما أرسلته مصر من المطبوعات، وإن كان ذلك بصورة مصغرة بالنسبة إلى مصر. وأيضاً أن الزعامة الأدبية لا يمكن أن تكون إلا نتيجة من نتائج الاستقلال الأدبي. وليس في مصر ولا في غيرها من يستطيع أن يدعي أن مصر اليوم قد تقدمت في الأدب إلى حيث أصبحت مستقلة بآدابها. وهل للأدب المصري اليوم طابع خاص يمتاز به عن الأدب العربي في غير مصر من بلاد العرب أو من بلاد الشرق. كلا! وإنما مصر اليوم كغيرها من بلاد الشرق العربي لم تزل في دور التقليد للغرب في العلم والأدب. فالحقيقة التي لا ينبغي للعاقل المفكر أن يشك فيها هي أن مصر اليوم كغيرها من بلاد العرب سالكة طريق التقليد في العلم والأدب تحت زعامة الغرب. خصوصاً في الأدب الروائي والمسرحي فإنها فيهما مقلدة للغرب تقليداً أعمى لم تتحقق حتى الآن صحة موافقته للذوق العربي وللحياة الشرقية العربية. هذا بقطع النظر عن الصبغة الإسلامية الظاهرة في الحياة العربية. فإن هذه الصبغة تنبو كل النبو عن الأدب المسرحي الذي أخذت مصر اليوم تمشي فيه على آثار الغرب. وخلاصة القول، إن مصر اليوم في طور التقليد. وكل ما هناك هو أن الشوط الذي جرته مصر أبعد من الشوط الذي جراه غيرها من بلاد الشرق العربي. وليس في ذلك ما يجعل لها زعامة على غيرها. هذا ما نقوله في الزعامة الأدبية إذا أضيفت إلى قطر من الأقطار أو إلى بلد من البلاد. أما إذا أضيفت إلى فرد من الناس، فمن البعيد أن يتفق الناس عليها فيه وأن يعترفوا بها له. وهذا المتنبي مثلاً قد ملأ الدنيا في زمانه وشغلها بشعره كما قالوا، ومع ذلك لم يعترف له أهل زمانه بزعامته عليهم في الشعر. فالكلام في هذه الزعامة الأدبية الفردية أو الشخصية لا يأتي بنتيجة والجدل فيها لا يصل إلى نهاية. 1943* * كاتب وشاعر عراقي «1875 - 1945»