زرعت وزارة التعليم ثقافة المنافسة في المجتمع، فظهرت لنا ثقافة عدائية في جميع المجالات، تعاني منها بيئات العمل. حيث بُثت روح المنافسة السلبية، وتغليب مصلحة الفرد على نجاح المؤسسة. والبحث عن الشهادات والألقاب الفردية أصبح ضالة الأفراد، وعززت هذه الثقافة بيئات العمل والإدارات في التعليم التي تؤمن بلغة، وابتعدت جميع مدارسنا عن البحث في إنتاج الأعمال النوعية التي تخرج لنا أعمالا، يبقى أثرها في حياتنا أقوى من تقارير تلك الأرقام التي تحفظ في ملفات، تاركة المعلم يحترق وظيفياً ليصل إلى اقتناع تام أن مجهوده في بناء المعرفة غير مقدر، وعليه الاستسلام لمؤشرات الأرقام. أولمبياد طوكيو وضع الحل أمام وزارة التعليم أسرع، أعلى، أقوى، «معاً». الأولمبياد يهدي وزارة التعليم والأكاديميين خارطة الطريق، لعلنا تسمرنا بكل قوانا ونحن نتابع سالم الدوسري اللاعب العظيم يخترق صفوف الألمان ثم يظهر له اللاعب الفذ النجعي وحيداً في طرف الشاشة، الجميع وثق أن الدوسري سيمهد للنجعي هدفنا الأول، الذي لربما كان سيقلب موازين كل شيء في المباراة، بل ويجعلنا ننافس على ميدالية نخرج بها من القاع. كان هذا صورة طبق الأصل لما حصل في كأس العالم 94، حينما فضل سامي الجابر إرسال الكرة إلى خط التماس، عوضاً عن وضعها بين أقدام زميله الهريفي الفارغ تماما. الفرق بين الحدثين سبعة وعشرون عاماً، عززت فيها نفس الثقافة الفردية في مجتمعنا، من خلال غرس المنافسة السلبية التي تنتهجها وزارة التعليم بين الطلاب، ووضع حالة من عدم الانضباط داخل مدارسنا وتقدير الموقف التعليمي، الذي يجب على الطالب أن يحترمه ويلتزم بنصوصه حرفيا ولا يستهتر بقوانينه، ويقدر حق الآخرين في التعلم هو من خلق لنا حب الذات، والسعي إلى الإنجاز الشخصي حتى وإن كان ذلك على حساب شعور الآخرين، والحكم عليهم بالفشل أو حتى المؤسسة. التصرف الذي لم يتغير خلال سبعة وعشرين سنة في منتخبنا نشاهده يوميا في شوارعنا، خصوصا عند إشارات المرور متمثلا فيمن يتجاوزون جميع المركبات، من خارج الطريق لكي يحوزوا على الإنجاز الفردي، ويتمكنوا من العبور قبل مئات السيارات، غير آبهين بمريض أو من هو متجه لعمله أو احتراماً لمن وصل قبلهم عند إشارة المرور. هم أنفسهم أولئك الذين يخرقون النظام بدعوى كن ذئبا و اعتد على حقوق كل من حولك لتظفر بالمنافسة، وهم أنفسهم من قتلوا بواسطتهم طموح من كانوا يحلمون أن يكونوا يوما من الأيام طيارين وضباطا وأطباء..... إلخ التنافس قاتل لعملية التعلم تعتمد وزارة التعليم منذ دخول الطالب إلى المدرسة على وضعه داخل دائرة تنافسية قوية. يدخل فيها الطالب دائرة المقارنات مع زملائه. يحكم على الطالب مدى نجاحه بقوة مستوى الطالب، الذي أطلق عليه «متفوق». وبناءً على هذا التفوق يكسب كل شيء في المدرسة ويطلق عليه «طالب موهوب» وناجح في كل شيء. أذكر أن أحدهم أطلقوا عليه المخترع وكان اختبار القياس القاصمة التي وضعته أمام الأمر الواقع. لا يهمني هذا الطالب حقيقة،ما يهمني هي ردة الفعل المؤلمة التي كنت أشاهدها على محيا 560 طالبا من أصل 600 في حفل تكريم المتفوقين. حكم على 40 طالبا بأنهم طوال فترة الدراسة لمدة اثني عشر عاما بأنهم الوحيدون من نجحوا في التعلم، بينما السؤال والحيرة ماذا عن ال 560 طالبا؟ علمياً، أثبتت الدراسات بأدلة قاطعة بأن وضع الطالب أمام تطبيقات تصنيفية، هي مغذية لروح المنافسة، وقاتلة لعملية التعلم ولا يمكن من خلالها تطوير الأفراد. وأن القيم التقييمية التي يصنف الطلاب بناءً عليها عادة ما تكون ذات أثر سلبي، وبشكل أساسي على الطلبة المصنفين بأنهم أقل إنجازًا من غيرهم، والذين يُقادون إلى الإيمان والاعتقاد التام بأنهم محدودو المقدرة، ولا يملكون القدرة على التعلم «Wiliam, 2004». لعلنا بدأنا نفهم لماذا يفضل بعض اللاعبين في المنتخب الانفراد بالإنجاز، وإن كان ذلك يعود بالخسارة على الفريق كمجموعة. اللاعب هو نتيجة نظام المنافسة، يبحث عن رقم لنفسه كما يبحث أن يكون محور المديح في الإعلام. إن تسجيل الهدف باسمه في المونديال، هو كتسجيل اسم الطالب اسمه في حفل التكريم نهاية العام. ومديح الإعلام هو ذلك الكم الهائل من التغريدات والمكالمات في يوم تكريم الطالب. كما تلاحظون أصبحنا نعيش في غابة تنافسية تؤمن بالبقاء للأقوى، وهذا ما كان شعار الأولمبياد يقول قبل جائحة كرونا التعليم أسرع، أعلى، أقوى. معاً: يبدو أن أولمبياد طوكيو 2020 أرسل للمتنافسين، أنكم لن تستطيعوا أن تحرزوا ميداليتكم من دون من هم أقل منكم مستوى. أولئك الذين يصلون متأخرين إن غابوا لن تنجح. إن لم تعيشوا معاً يشد قويكم يد الضعيف لمواجهة هذا الوباء، فمن دون تعاون لن يصل القوي لإنجازه. لذلك كانت أحدث نظريات التعلم «البنائية الاجتماعية» تنص بكل وضوح على أن المتعلم يحتاج لوقت كاف ليبني معارفه مع محيطه. هو ذلك الفرق الفردي الذي تتجاهله الوزارة وأكاديميوها وخبراؤها ورؤساء أقسامها والمشرف التربوي، الذين يضعون معيارا لذلك الطالب الأسطورة، والذي يجب على كل معلمي المملكة وحيدين «وليس معاً كما في الأولمبياد» أن يكسروا كل قواعد التعاون بين جميع أفراد الوزارة، ورمي سهام النقد والمسؤولية على المعلم فقط. ومن سلبيات ثقافة المنافسة داخل البيئة التعليمية، أنها جعلت المسؤول يهرب من الاعتراف بأخطائه ورميها ككرة الثلج، حتى تصل للمنتج الفعلي داخل المدرسة دون حلول ولن تحل. ولعل أكبر دليل أن نجاح التعلم لن يكون دون «معاً»، هل تعلم يا سعادة الخبير التعليمي أن تصميم المدرسة الهندسي، هو ما يفرض على المدرسة وطاقمها نظرية التعلم وطريقة التدريس المطبقة فيها؟