بأسلحة الانتهازية والطمع، وباستغلال ضعف الرقابة، امتدت أيدي المعتدين لتوضع على الأراضي أو لتحوزها دون وجه حق، في تجاوزات خطرة، بدأت الأجهزة المعنية التعامل معها في الفترة الأخيرة بكثير من الجدية والحزم، خصوصاً أن تفشيها استنزف الاقتصاد، وأدى إلى شح الأراضي القابلة لإقامة المشاريع التنموية المهمة، أو حتى لحرمان المواطنين من الحصول على المساكن اللائقة، كما أسهمت في إقامة عشوائيات تكلف إعادة تأهيلها مليارات الريالات. وشهدت الأراضي الحكومية في مختلف مناطق ومحافظات المملكة خلال السنوات ال5 الماضية تحديات فرضها التعدي عليه، ووقفت منطقة مكةالمكرمة، وخاصة العاصمة المقدسة والمحافظات التابعة لها في طليعة المناطق والمدن التي نشط لصوص الأراضي في التعدي عليها. ومع التركيز على هذا الملف وصلت المساحات المستعادة للدولة خلال الأشهر القليلة الماضية إلى أرقام فلكية تم تداولها عبر الوسائل الإعلامية، لكنها كشفت عن ضعف الإمكانات الرقابية لدى البلديات، وسوء تخطيط المدن، وتدني مستوى الوعي لدى بعض المواطنين الذين يقعون فريسة سهلة في شباك المحتالين والنصابين يعزز اندفاعهم توقف المنح، وصعوبة تملك الأراضي لبناء المساكن بعد أن جاوزت أسعارها خلال السنوات الماضية حد التوقعات. تعديات مليونية أوضحت بيانات دقيقة صادرة عن أمانة العاصمة المقدسة اطلعت عليها "الوطن" أن أمانة العاصمة المقدسة والبلديات المرتبطة بها رصدت وأزالت تعديات على 29.759.794 متر مربع في مكةالمكرمة والمحافظات والمراكز التابعة لها، وذلك خلال السنوات ال5 الماضية. وتبين أن التعدي على الأراضي تمركز أكثره من ناحية المواقع والأمتار في شمال مكةالمكرمة التي تتمثل في أحياء العمرة والبحيرات والنوارية، إضافة إلى التعدي على الأراضي في محافظة الجموم والمراكز التابعة لها ومركز مدركة ومركز عسفان، والتي ترتبط إدارياً بأمانة العاصمة المقدسة. في المقابل، كانت أقل المواقع والأمتار من ناحية التعرض للتعدي عليها متمحورة وسط مكةالمكرمة، ما يؤكد أن التعديات تزيد في البلديات الطرفية لكونها مناطق مفتوحة وهي (العمرة- الشرائع- الشوقية- جنوبمكة- العزيزية)، إضافة إلى محافظة بحرة، فيما كانت الأراضي التي تتبع نطاق البلديات المرتبطة هي الأكثر عرضة للتعديات من قبل لصوص الأراضي وهي الجموم ومدركة وعسفان. أراض بيضاء غير مطورة يقول المستشار العقاري، عضو الزمالة في هيئة المقيمين العقاريين المهندس حسن البركاتي ل"الوطن" إن "الأراضي المنهوبة والمعتدى عليها من قبل لصوص الأراضي تعد أراضي خاماً بيضاء وغير مطورة، وهي مملوكة للحكومة بصكوك شرعية، وتقييمها يتم مثل الأراضي الخاصة عند التقييم". وأوضح البركاتي "حسب الإحصائية الواردة لنطاق الإزالات، فإن أعلى نسبة تعديات وقعت في شمال مكةالمكرمة وأقلها في وسط مكةالمكرمة، وهذا الأمر يعطي عدة افتراضات بأن شمال مكة الذي يمتد نطاقه من حي البحيرات إلى جعرانة وقرية عين شمس ومحافظة الجموم وما حولها من قرى ومزارع، تمثل حسب التقديرات 45% من مجموع التعديات، وهو ما يعادل 10.800.000 متر من أصل 24.000.000 متر على أقل تقدير، ونطاق جنوبمكةالمكرمة الذي يمتد من أحياء ولي العهد والكعكية إلى منطقة عمق ووادي ملكان والشعيبة وما حولها تمثل 30% بمساحة تقديرية 7.200.000 متر مربع. وأضاف "حسب الإحصائية، فإن نطاق غرب مكةالمكرمة يمتد من حي الزايدي إلى منطقة الشميسي ومحافظة بحرة، ويمثل 13% بمساحة 3.120.000 متر مربع، والنطاق الشرقي الذي يبدأ من الشرائع والمشاعر المقدسة باتجاه البجيدي ومحور طريق السيل وقرى وادي نعمان على طريق مكةالطائف السريع يمثل نسبة 9% بمساحة 260.000 ألف متر مربع، ونطاق وسط مكةالمكرمة ويشمل إزالة التعديات بالمدينة داخل نطاق الدائري الرابع، تمثل 3% وبمساحة 720.000 ألف متر مربع". كلفة مليارية أبان البركاتي أنه بناء على عدد المواقع التي تعرضت للتعدي، والتي فاقت ال1100 موقع، فإن تقييم الأراضي المنهوبة الواردة في الإحصائية يقدر ثمنها ب5.740 مليارات ريال، وفي حال تطوير هذه الأراضي وإيصال الخدمات إليها من بنية تحتية ونحوها، سيتجاوز التقييم ضعف المبلغ الذي تم تقديره"، مشيراً إلى أنه في حال تحديد مواقع إزالة التعديات على الخريطة وتوفير مساحة كل موقع، فيمكن إعطاء قيمة تقديرية لا تتجاوز نسبة الخطأ فيها ال5 % انخفاضاً أو ارتفاعاً". جرأة المعتدين قال عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث ل"الوطن" إن "إزالة تعديات تقدر بملايين الأمتار على الأراضي الحكومية بات خبراً تطالعنا به وسائل الإعلام بشكل متكرر، في ظل التنامي الواضح لتلك التعديات بعد أن تمكن كثير من المعتدين من تسويقها، بل وصلت الجرأة ببعضهم إلى حد إقامة مكاتب تسويق في الأراضي المعتدى عليها بعد تقسيمها وسفلتة شوارعها الداخلية لضمان سرعة بيعها على المواطنين الذين ينجرفون وراء وعود وهمية تقودهم في النهاية إلى المجازفة بمدخراتهم". وأضاف "حين تقوم الأمانات بإزالة إحداثاتهم، وفي الصورة المقابلة من المشهد نجد تمدد الأحياء العشوائية التي أحاطت بالمدن، لترسم لوحة مشوهة لمداخل المدن وتظهرها بصورة تفتقد إلى أدنى معايير التخطيط نتيجة الاكتظاظ بالتجمعات السكانية التي تكون في الغالب مأوى لمخالفي نظام الإقامة، كما تمثل تلوثاً بصرياً وبيئياً، فإننا نتلمس هنا ضعف الرقابة، وعجز بعض الجهات عن حماية الأراضي الحكومية من التعديات". وأشار إلى أن تفعيل «مشروع لائحة حماية الأراضي الحكومية» يردم فجوات عمل لجان إزالة التعديات بزيادة الصلاحيات واعتماد التقنية"، مبينا أن هدف التعدي في الغالب هو الاستيلاء والمتاجرة وليس حاجة البحث عن سكن، حيث إن ظاهرة الاستيلاء على الأراضي الحكومية مشكلة تؤرق الجهات المختصة، رغم صدور عدد من الأوامر السامية وتشكيل لجان لمراقبة تلك الأراضي". ارتفاع في الطلب أبان المغلوث أن هناك ارتفاعا ملحوظا في حجم الطلب على السكن نتيجة النمو السكاني المتزايد، وقلة المعروض من المخططات السكنية، إضافة إلى ارتفاع كلفة تأمين أرض سكنية في مخطط معتمد، وهو ما دفع تجار الأراضي إلى استغلال حاجة كثير من المواطنين، وإلى التعدي على الأراضي الحكومية وبيعها على البسطاء، موضحا أن "أسباب تنامي التعديات على الأراضي الحكومية يعود إلى اختلالات حدثت في فترات سابقة في معالجة تلك التعديات، والتي فرضت واقعاً ما زالت تعاني منه مدننا السعودية، وأدى كل ذلك إلى نشوء أحياء عشوائية تصل في بعض المدن إلى 40% من نطاقها العمراني". وأشار إلى أن قيام أحياء في أطراف المدن أدى إلى افتقادها الخدمات، وإلى تشويهها المنظر العام، وأصبحت مأوى لمخالفي نظام الإقامة ومجهولي الهوية"، موضحا أنه على الرغم من أن هناك تشريعات وعقوبات تجرم التعدي على أراضي الحكومة، فإنه ما يزال هناك من يطمع في ظل ثغرات بعض الإجراءات التي تجعل هؤلاء يستغلون تلك الأراضي، إضافة إلى أن توزع الجهات المسؤولة يضعف قوة الرقابة من حيث الأمانات والبلديات وجهات أخرى. هيئة أملاك الدولة أوضح المغلوث أن من يمتلك زمام الأمور في هذا الجانب هي هيئة أملاك الدولة التي تسلم لها تلك المساحات ومراقبتها بإجراءات وأدوات نظامية، وهذه الهيئة لديها الصلاحية أن تعطي مساحات للبلديات لتوزيعها منحا أو لوزارة الإسكان لتخطيطها وتوزيعها على المواطنين، أو يسلم جزء منها من قبل الهيئة إلى جهات رسمية من أجل عمل مشاريع عليها، مشيرا إلى أن هناك هيئات ما زالت قوية تبحث وتكشف عن المتورطين في التعدي على أملاك الدولة من مساحات ومرافق مثل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، قال "بإذن الله، فإن قوة هذه الهيئة ورجالاتها سوف تحد من التعدي على الأراضي والمساحات الشائعة". جرائم متعددة يكشف المحامي، الخبير القانوني ماجد قاروب ل"الوطن" أن "البيانات الإعلامية لعدد من الجهات وفي مقدمتها العدل والبلديات والنيابة العامة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد كشفت عن استرجاع مساحات كبيرة من الأراضي الحكومية التي تم الاعتداء عليها من قبل لصوص الأراضي بالتلاعب في المستندات والإجراءات عبر سنوات طويلة مضت، وصدرت قرارات بإلغاء عدد كبير من الصكوك الشاملة لملايين الأمتار في جميع مناطق المملكة بما فيها منطقة مكةالمكرمة، وعاقبت الجهات المعنية كل من شارك في تلك الاعتداءات من قضاة أو كتاب عدل أو رجال أعمال، وكل موظف عام يعمل في أحد أركان الدورة الإدارية لإصدار تلك الصكوك بجرائم الرشوة والفساد والتزوير وإهدار المال العام واستغلال النفوذ وكذلك غسل الأموال". وأضاف "قيمة العقارات التي تم الاستيلاء عليها من خلال إصدار الصكوك أو من خلال الاعتداء على الأوقاف لا تقل عن 3 تريليونات ريال، واللجان الحكومية والقضائية تعمل على إلغاء الصكوك مع مراعاة الواقع الحقيقي لحماية من اشترى من المواطنين بحسن نية، والقرارات التاريخية التي صدرت لحماية أراضي الشواطئ على امتداد البحر شرقا وغربا، وكذلك أراضي الأوقاف، وخاصة بمكةالمكرمة والمدينة والقصيم وباقي مدن ومحافظات الوطن بما في ذلك المناطق الزراعية والوديان وحتى الجبال ومعظم المناطق العشوائية، تصب كلها في مجال استرجاع مزيد من الأراضي المسروقة من لصوص الأراضي الحكومية". وأشار إلى أن "الجهود المشتركة لنزاهة مع العدل والبلديات والمالية والأوقاف في إلغاء الصكوك واسترجاع الأراضي والممتلكات إلى الدولة أو إلى أصحابها المستحقين أمر يستحق الشكر والثناء". وبين أنه ما يخص الأوقاف التي تعاني من مشاكل عميقة وتاريخية كبيرة تحتاج إلى معالجات جذرية من النواحي التشريعية والقضائية والإجرائية والرقابية مع حوكمتها والإشراف المؤسسي والمالي على واقعها ومستقبلها. 29.7 مليون متر مربع أزيلت التعديلات عليها في مكة ومحافظاتها 1100 موقع تعرضت للتعدي 5.740 مليار ريال قيمة الأراضي المعتدى عليها 45 % من التعديات وقعت شمال مكةالمكرمة 30 % حجم التعديات في جنوبمكةالمكرمة 13 % التعديات في غرب مكةالمكرمة 9 % التعديات في شرق مكةالمكرمة 3 % التعديات وسط مكة المكرمة