هل يكفي أن تمر بأزمة لتتعلم؟ هل يتذكر الصغار هذه الأزمة إذا كبروا؟ وإذا تذكروا فماذا سيتذكرون؟! الحجر أم فرحة العيد التي صغرت أم رمضان الذي لم يجتمعوا فيه بجدتهم؟ أم ربما موت حبيب أو قريب؟. ما الدرس الذي سيحفظه الصغار ويؤثر في سلوكهم وعاداتهم؟ الدرس الأقسى ربما كان الخوف والقلق. ولكن هل سيؤثر هذا على سلوكهم مستقبلاً؟ هل سينتهجون مبدأ تعقيم اليدين والسلوك الصحي عند العطاس والكحة؟ هل سيكون منهج حياة أم تغيرات وقتية؟ وتمضي الجائحة حتى يعود الجميع لعاداته السابقة.. ماذا كان لو تأسس هؤلاء الأطفال على كل الممارسات الصحية من المرحلة الابتدائية كمنهج تعليمي ليكن اسمه (توعية صحية). نعلمهم فيها كيف يهتمون بالنظافة الشخصية، والممارسات الصحية في الحياة اليومية، كيف يهتمون بنظافة أسنانهم ونعلمهم التغذية السليمة، وأهمية الرياضة. وفي المرحلة المتوسطة نحدثهم عن تاريخ الأوبئة وأمراض الطفولة القاتلة والتطعيمات التي قضت عليها ومخاطر التدخين والإسعافات الأولية، ليست «علوم» ولا «لغتي» ولا «اجتماعيات»، مادة لا تشبه غيرها، شيء مختلف يتعلمه الأطفال والنشء بحب، فكل ما نتعلمه بحب نمارسه برغبة، وكل ما ننشأ عليه يصبح عادة حينما نكبر.. أتساءل لو أن الجميع لديه ثقافة صحية هل كنّا سنحتاج لهذا الكم من الرسائل اليومية والتوعية في كل وسائل التواصل الاجتماعي أم كنّا سنكتفي بالتذكير؟ لأن هذه الثقافة موجودة لدينا وجزء من ممارساتنا اليومية من تعقيم اليدين وعدم التزاحم وتغطية الأنف والفم عند العطاس أو الكحة، إنها من البديهيات، ولكن لأن الجميع لم ينشأ على هذه الثقافة توجب توجيه هذه الرسائل ونشرها وما لا يدرك كله لا يترك جله.. حتى برامج الأطفال لم تعد تهتم بتوجيه رسالة صحية للطفل، أتذكر برنامج سلامتك الذي كان يخاطب جميع أفراد العائلة، كانت مشاهداته متعة، وكان له تأثير كبير في الوعي الصحي لكل أسرة في المجتمع. يفتقر الإعلام لهذا النوع من البرامج التي تخاطب الجميع وتثقفهم صحياً بلغة سهلة وبسيطة، للأسف في مجتمعاتنا العربية تؤثر الإشاعة على أفكار الناس وممارساتهم بكل طبقاتهم ومستوياتهم العلمية، وما يصدم أحياناً أن يتداولها بعض الأطباء لأن الوعي مختلف عن التعليم.. التعليم يجعلك تعي، ووعيك هو ما يدفعك للممارسة والتطبيق يعني ليس كل متعلم يمارس ما يتعلمه بل الوعي وحده يدفعه لذلك.. إن الاهتمام بنشر الوعي الصحي يقلل من استخدام الخدمات الصحية لأنه يقلل من حدوث الأمراض ومضاعفاتها. أهم عنصر في المجتمع هم الأطفال والنشء فهم المستقبل، لذلك أجد من المهم تدريسهم التوعية الصحية، فالاحتفال بالأيام العالمية في المدارس وحده لا يكفي، الاحتفال بيوم السمنة العالمي مثلاً لم يقلل من معدل السمنة لدينا، الآخذ في التصاعد، فالسمنة بين الأطفال تصل إلى 9.3% وبين الكبار قرابة 60%، ولم تجدِ احتفالات وفعاليات يوم السكري العالمي في خفض عدد الإصابات، ومن المتوقع أن تصل نسبة مرض السكري لدينا في عام 2030م إلى 45.36%، علينا أن نتعلم لنعيَ ونعي لنغير حياتنا للأفضل، والاستثمار في توعية النشء وتعزيز صحتهم هو أحد أهم الإستراتيجيات الوطنية الصحية التي يجب وضعها في صلب الأجندة السياسية، إذا أردنا تكوين مجتمع صحي.