لم تُنشأ المحاكم والدوائر القضائية إلا للفصل في النزاعات بين المتخاصمين، ورفع الظلم عن المظلومين، تحقيقاً لمبدأ العدل وسيادة القضاء، وحفظاً لحقوق الناس، وبمجرد انتهاء إجراءات التقاضي، وصدور الحكم القضائي، واكتسابه صفة القطعية، فإنه يصبح واجب النفاذ في الحال، وأي رفضٍ، أو تعطيل، أو تحايل في تنفيذ الحكم القضائي النهائي، يتعارض مع سلطة القضاء وهيبته، ويعد بمنزلة رفض الامتثال إلى سلطان الشريعة والنظام! ولأهمية «التنفيذ» في المنظومة القضائية، تم استحداث «دوائر الحجز والتنفيذ» في المحاكم العامة المعنية بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الأفراد، وتنفيذ الأحكام المدنية من حقوق مالية وتجارية وأسرية لضمان التنفيذ الفوري والقسري للأحكام المعطَّلة والمتعثرة، والأحكام ذات الصفة القطعية، لكون العدالة تتطلب حكماً عادلاً ناجزاً، و»تنفيذاً» سريعاً لتفعيل مفهوم الخدمة العدلية المتكاملة! وفي مقابل هذه الصورة الإيجابية لاتزال بعض الجهات الحكومية تقدم صورة سلبية بعدم احترامها القضاء والشرع والنظام بامتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها من المحاكم الإدارية «ديوان المظالم»، وكان الأولى بتلك الجهات الحكومية تطبيق أحكام سلطة القضاء، والخضوع للعدالة والحق، لكونها إحدى مؤسسات الدولة، وهي الأجدر بأن تكون القدوة الحسنة للامتثال للأنظمة والقوانين، ومن أهمها و«أوجبها» الأحكام القضائية! وفيما يبدو، فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه في ظل عدم وجود مواد قانونية، تضع آلية محددة لتنفيذ الأحكام الإدارية، ولافتقار المحاكم الإدارية لقضاة تنفيذ، يختصون بمتابعة تنفيذ أحكامها النهائية، أو على الأقل تخويل قضاة التنفيذ في القضاء العام بهذا الاختصاص، ولعدم وضوح الآلية النظامية للإجراءات، التي يمكن أن يتخذها المحكوم له عند امتناع الجهة الحكومية عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، وطالما أمنت تلك الجهة العقاب فلن تخشى من عواقب عدم التنفيذ! ومن الشواهد على هذه الظاهرة المؤسفة ما حدث للمواطن خالد بن حزام القحطاني، الذي صدر له حكم نهائي واجب النفاذ من المحكمة الإدارية «ديوان المظالم في جدة» ضد وزارة الخدمة المدنية بإلغاء قرار الوزارة «السلبي» المتضمن امتناعها عن تعيينه في الوظيفة المرشَّح لها، وكافة ما يترتب على ذلك من آثار، حيث رفض جميع مسؤولي الوزارة تنفيذ الحكم، وعلى رأسهم معالي الوزير! ختاماً: لا عزاء للمواطن، الذي لم يُرفع عنه الضرر، حتى إن كان يحمل صكاً للحكم القضائي لايزال مجرد حبرٍ على ورق!