داعش في السعودية بين ليلة وضحاها أو أكثر من ذلك أو أقل ونحن في غفوتنا لعقد من الزمان في حين كانت تتغذى لسنوات طوال من تعصبنا وعنصريتنا ومزايدتنا على الإسلام ورسوله تشدداً وتنطعاً. ألا تلاحظون أننا بتنا لا نفتأ نكتب ونستصيب مما يجري حوالينا ولا علينا؟ من حوثيي اليمن إلى دواعش العراق والشام إلى بواكي بوكو حرام نيجيريا وقتلهم وخطفهم، منا من يستنكر حتى استنكارنا، وما لنا ولهم؟ ما لنا والهند أو الصين أو أفريقيا أو مجاهل الأدغال؟ وأقول وأكرر، في كل نفس هناك سمة سعودية، هناك علاقة ما، هناك دراسة ما، هناك فتوى ما، هناك محاضرة ما، وهناك مسؤولية نتحملها، ففي نهاية المطاف، نحن من نحمي حمى بيت الله ومسجد نبيه، نحن من نمنح أو نسحب الشرعية عن هؤلاء، نحن ممن تُنتظر فتواه ومن يُخشى جانبه. وعلى صعيد آخر قررت المملكة العربية السعودية أن تخوض غمار حرب تشارك فيها تحالفاً دولياً يقتص ممن نشروا الخوف والهلع بين الآمنين في دول الجوار ومنهم ممن ينتمي إلى مدننا وقرانا ويتبع كثير منهم مشائخ وأئمة حسبناهم يخشون الله فينا، فأغروهم وحسنوا إليهم أمر الخروج بمسمى "الجهاد" الموجه إلى المسلمين بالدرجة الأولى ثم إلى المعاهدين الآمنين بالدرجة الثانية، موفرين الأعداء والمعتدين إلى يوم الدين دون أن يقتربوا منهم أو من مصالحهم، فتترك إسرائيل تعيث فساداً في غزة طيلة ما كانت داعش تعينها في العراق وسوريا بحجة أن المسلمين لم يؤمروا بحربها. مع ملاحظة أن المنتج السعودي للمجاهد الشاب، يتصف بسهولة الانقياد وضحالة المقاومة مما يرشحهم للعمليات الانتحارية بالدرجة الأولى وفق الكثير من التحليلات، وقليل للتنظير وللتحليل الشرعي، وما زال هناك الكثير ليُبحث فيه ولنفهم كيف يتحول أبناؤنا إلى قتلة وذباحين. لكني أرى أنه بالإضافة إلى الحل العسكري الذي تبنته الدولة، نحتاج إلى أن تكون هناك حلول أكثر جذرية من الحل العسكري الذي يتعامل مع أعراض المشكلة فقط. فبادئ ذي بدء تحتاج الدولة إلى مجابهة الفكر المتطرف ومنابعه عندنا بفتح دراسة العلوم الشرعية على المدارس الفقهية المختلفة، على المدارس القديمة غير الحنبلية، وعلى المدارس المعاصرة، وتمكين خريجيها من الوصول إلى المعاهد والمساجد والمحاكم ليعززوا من ثقافة الاختلاف التي تزدهر بالاجتهاد وإعمال الفكر. إن أمامنا عمل شاق من أجل تجفيف منابع الإرهاب الحقة من جذورها، من كتبها، من مناهجها المنتشرة في كلياتنا الشرعية، من مساجدنا وربما من محاكمنا أيضاً. لأجل ذلك نحتاج إلى حماية المجتمع من عدد من الآفات التي تسمح للتطرف بالتمدد والتجذر وللتجنيد أن يزهر ويثمر وعلى رأسها؛ البطالة، تقييد الحريات، والفساد الذي يجلب الشعور باليأس من الحياة ومن العمل المنتج. نحتاج لأن نعوض هذا الخلل بتنظيم العمل المدني الذي يمكنه أن يقف سلمياً مسانداً الوطن أمام أشكال التطرف أو الفساد الذي يستلب مقدرات المجتمع وبالتالي عدالته. نحتاج زيادة تعزيز المجتمع بضمان الحياة الكريمة التي لا تتأتى من توفير الماء والكهرباء والمسكن والمشفى فحسب، ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن الحياة الكريمة تعني احترام الإنسان فينا ذكراً وأنثى، احترام خصوصيته وحريته الشخصية، الثقة فيه وفي قراراته وقدراته ومنطلقاته. فلا يمكن لحياة كريمة أن تعلو أو تحيا وهي تحت رقابة ووصاية وتسلط من آخرين، ولا يمكن لحياة كريمة أن تنمو وهي تعيش تحت وطأة التوجس والقلق من كل فعل وقول وفكر ومنحى.