في القمة العربية في الخرطوم اخترعنا اللاءات الثلاث "لا اعتراف، لا تفاوض، لا سلام" والمعني بالموضوع إسرائيل، ويبدو أن الهرم انقلب وتحولت تلك اللاءات إلى الأرض العربية بمعناها الحرفي وتطبيقاتها العملية.. فلا المغرب والجزائر فتحت حدودهما لأن الصحراء متاهة سياسية وعقدة إقليمية، ولا تزال الرحلة طويلة مع الطرق غير المعبدة بين البلدين، لأن كل منهما له تصنيف وتعريف بالآخر والحل معلق على مجهول.. وبين العراق وسورية وقفة نفس بدأت مع الأمويين، ولم تنته بعصر وحدات الكيانات الكبرى ولا تزال مشكلة الحدود وتداخلها وتحالفات الداخل والخارج بين قوى وطنية متنافرة مع أخرى، تملك وسائل التأزيم وتحريكها واحتياطياً كبيراً من الدعوات إلى جعل الأسافين تدق في شرايين البلدين.. في فلسطين قطعتا أرض يتخاصم داخلهما أبناء العائلة الممزقة الواحدة فلا غزة تريد أن تلتقي مع الضفة، ولا عباس مع مشعل، والجميع ينفخ في رماد الفرقة، وتتراكم النفاثات في العقد، ولا حل إلا بدواء لم تخترعه المختبرات.. اليمن يعوم داخل أحوال مضطربة، جنوبيون يرفعون شعار الانفصال، وحوثيون يريدون عودة الإمامة، وشمال يجابه هذه المواقف بظروفها الساخنة والباردة، والأزمة غير عادية وخاصة حين تكون الخصومة مع قوى خارجية تدعم الحالة القائمة بالمال والسلاح.. لبنان حالة معوّمة، تعقد الصفقات بالخفاء، وتفاجأ بنقيضها على أرض الواقع، فكل يحمل علم طائفته لكن الولاءات متعددة، وجاذبية التقلب من الشمال لليمين أو النزول من فوق إلى تحت مرهونة بالكيفية التي تمتلئ بها حصالة النقود والتي يتقرر سلفاً لمن تتوجه، ولذلك قامت الحروب الأهلية وتصالح الأضداد وتنافروا على صيغة (15 - 10 - 5) وأن الحل عند (س. س) أي السعودية وسورية، والحقيقة تنازع على مناصب في وطن مؤجر للآخرين.. في السودان توطنت اللاءات، فكل شيء قابل للانكسار، جنوب متأرجح بين الاستمرار مع الدولة الأم، وشمال يناور ويغرق في أزمة دارفور وحواشيها ويناوئ الجيران من الأفارقة يتهم البعض ويتصالح مع أخرى، وكل شيء مرتهن للمجهول.. هذه النماذج قتلت الحوار، وبنت جسور العزلة، ونمّت أخلاقاً سياسية أقرب لمن "كيدهن عظيم" وبالتالي إذا كانت هذه الحالة خصوصية عربية يدعمها انحراف فكري جاء خليطاً من نزعة إقليمية تصاهرت مع تراث قبلي وميراث طائفي وشكوك ووساوس فلابد أن يجري بحث أممي ينتهي إلى لجنة صلح دولية، يتشكل أعضاؤها من مجلس الأمن والأمم المتحدة، والمحكمة الدولية، وهيئة حقوق الإنسان وكل مصلح له شأن مع قضايانا لعلها تفك السحر الذي أدى إلى الطلاقات ومنع الزواج العرفي في السياسة حتى نلتقي مع أنفسنا ويكون لتلك اللجنة كامل الصلاحيات بأن تهزم الشيء المجهول في تلافيف أدمغتنا..