فيما يحتفل العالم اليوم الثلاثاء باليوم العالمي لمحاربة الفساد، تتواصل الجهود العالمية لاقتلاع جذور هذه الآفة، حيث حققت كثير من الدول إنجازات ضخمة ولافتة، وذلك لما تترتب على هذه الظاهرة السيئة من نتائج سلبية على كافة جوانب المجتمع، اقتصاديا، واجتماعيا، وأمنيا، وثقافيا، وحول هذا اليوم العالمي تحدث الدكتور هادي علي اليامي المدير التنفيذي للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الانسان بمنظمة التعاون الإسلامي، عضو مجلس الشورى السعودي السابق، وقال إن يوم الثاني من نوفمبر 2017 كان مفصليا في تاريخ المملكة حيث صدر قرار ملكي بتشكيل لجنة عليا لمحاربة الفساد وملاحقة المشتبهين بارتكابهم تلك الخطيئة، فقد بدأت مرحلة جديدة في مسيرة القضاء على آفة ظلت تؤرق بال الجميع، وسرعان ما ظهرت نتائج مبهرة لتلك الحملة التي تقف وراءها القيادة السعودية على أعلى مستوياتها، ويشرف عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ويتابعها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – مؤكدين أنه لا كبير على القانون، ولا يوجد مسؤول فوق مستوى الملاحقة والتحقيق، وهذا ما أكده الملك بأن يد العدالة سوف تطال كل مفسد (كائنا من كان)، وجدده ولي العهد بأن كل من اقترف هذا الذنب (لن ينجو بفعلته). وأضاف الدكتور اليامي : مما يبعث على الارتياح أن الحملة السعودية على الإرهاب لم تأت نتيجة لضغوط أو إملاءات، بل كانت استجابة لحاجة مجتمعية داخلية، كما لم تكن نابعة من رغبة في التشفي والانتقام، لذلك فإن كل من تدور حولهم الشبهات يتمتعون بكامل حقوقهم القانونية خلال فترات التحقيق والمحاكمة، ويتم تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم بكامل الطرق القانونية. ويظل المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، وأكد اليامي على إن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لا تأخذ الناس بالشبهات، ولا تصادر حقوقهم القانونية، وتمنحهم الفرصة الكافية لإثبات براءتهم، ولا تترتب على البلاغات أي آثار قضائية أو قانونية ما لم يتم التأكد من صحتها ويقدم المتهمون للمحاكمة العادلة وتثبت إدانتهم ومن ثم يكتسب الحكم صفة القطعية بعد استيفاء كافة مراحل التقاضي والاستئناف. وأشار الدكتور اليامي إلى استعانة الهيئة بعناصر قانونية مشهود لها بالكفاءة والمقدرة، وتحكم طبيعة عملها آلية واضحة، وتتبع أعلى درجات الشفافية، وتقوم بمجرد تلقي أي بلاغ بتقييمه والنظر فيه، ومن ثم تبدأ عملية جمع الحيثيات والقرائن اللازمة ولا يتم تجاهل أي بلاغ، حتى لو كان مقدمه لا يملك الأدلة الكافية. ومع تزايد الإنجازات التي تحققت حتى الآن في هذا الصدد، شدد المدير التنفيذي للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الانسان بمنظمة التعاون الإسلامي على أن الجهود الحكومية لن تكون كافية وحدها للوصول إلى مجتمع خال من الفساد ما لم تواكبها مساندة مجتمعية كافية، لذلك علينا جميعا أن نجعل هذا الهدف تحديا شخصيا لكل منا، فمن يسرقون المال العام ويستأثرون بالمزايا والمكاسب لأنفسهم وأقاربهم دون وجه حق يعتدون بصورة مباشرة على حقوقنا، ويحرمونا من التمتع بالنعم التي وهبنا إياها الله سبحانه وتعالى. وحسب الدكتور اليامي فهناك دور أكبر يقع على عاتق الشباب في جميع الدول لأنهم المعنيين بخطط التنمية، والطريق واضح ولا يحتاج إلى وصف، فإما أن يشمروا عن سواعدهم لحراسة مصالحهم ومكتسباتهم، أو يرتضوا الوقوف موقف المتفرج ويغضوا الطرف عن الفاسدين وفاقدي الضمير ويتركونهم يعتدون على حقوقهم وينهبونها، وفي كلتا الحالتين فهم الذين ينعمون بالمكاسب أو يتحملون الخسائر. ونبه عضو الشورى السابق على أن الفساد بشقيه، المالي والإداري، لا يقل في خطورته عن وباء الإرهاب الذي ابتليت به البشرية، بل إنه أكثر ضررا وأعظم أثرا، لأن معظم مصادر تمويل الإرهاب تأتي من أموال مشبوهة، كما تثبت ذلك محاضر الهيئات والمؤسسات المختصة عالميا، كما أن الآثار السالبة الناجمة عن الفساد تظل تنخر في جذور المجتمعات لفترات أطول مما يفعله الإرهاب الذي يظل ظاهرة وقتية تشترك في مواجهتها العديد من الأجهزة، وقال الدكتور اليامي : وإن كانت الدول والحكومات تبذل جهودا كبيرة لترقية حياة مواطنيها وتحسين مستواهم المعيشي فإن كل ذلك يذهب هباء منثورا بسبب الفساد، ولن يكون له أثر إيجابي على حياة المواطن ما لم يتم استئصال بؤر الفساد واجتثاثها، فالخطط التنموية والمساعي الحثيثة لتطوير الاقتصاد وترقية حياة الشعوب لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود أعلى درجات الشفافية والنزاهة. ويرى اليامي أن من أكبر مساوئ الفساد على الصعيد الاقتصادي أنه يفرغ جميع الخطط التنموية من مضمونها، حيث تصب جهود التنمية في جيوب شخصيات بعينها استحلت لأنفسها الاستئثار بالمال العام دون وجه حق، وتحرم منه الفئات المستحقة والأكثر احتياجا. وبذلك فإن جميع جهود الدول والحكومات تكون غير ذات جدوى، وينعدم أثرها على أرض الواقع، وأما على الصعيد الاجتماعي فيؤكد الدكتور هادي اليامي على أن الفساد يؤدي لحالة من عدم الاستقرار، نظير عدم التساوي في توزيع الثروات بين أفراد المجتمع الواحد، كما تنعدم الرغبة في البذل والاجتهاد لدى الشباب الذين ينصرفون عن تطوير قدراتهم وتأهيل أنفسهم لأن كل ذلك يظل بدون أثر فعلي في تشكيل مستقبلهم، وكل ذلك يقود بدون شك إلى ظهور حالة من التململ وعدم الاستقرار وانعدام الرضا.