يمثل قطاع العسل في المملكة أحد أهم القطاعات الواعدة في منظومة الأمن الغذائي والاقتصاد الريفي، وسط طلب محلي متنامٍ وتوسع في برامج الدعم الإنتاجي وتعزيز كفاءة سلاسل الإمداد. وتبرز محافظة الطائف كواحدة من أبرز المناطق المنتجة للعسل في المملكة، بفضل تنوعها البيئي وثرائها النباتي، إلى جانب خبرات النحالين وتنامي المبادرات التنموية الموجهة للقطاع. ومع استمرار المملكة في تقليص الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج المحلي، تتجه الأنظار نحو الطائف بوصفها محورًا استراتيجيًا لتطوير صناعة العسل وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي وتنويع مصادر الدخل الريفي. أكدت المستشارة الاقتصادية د. نوف بنت عبدالعزيز أن محافظة الطائف تمتلك مقومات مميزة تؤهلها لتكون مركزًا رائدًا في صناعة العسل بالمملكة، بما يدعم جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات، في إطار مستهدفات الأمن الغذائي الوطني. وأوضحت د. نوف أن المملكة تستورد ما يقارب 24 ألف طن من العسل سنويًا، في حين يتراوح الإنتاج المحلي بين 3.1 و5 آلاف طن، مشيرة إلى أن بيانات التجارة الدولية لعام 2024 أظهرت انخفاضًا في حجم الواردات إلى 18.5 ألف طن، مما يمثل فرصة لتعزيز الإنتاج المحلي وزيادة حصته في السوق. وبيّنت أن الطائف من أبرز مناطق إنتاج العسل في المملكة، إذ تضم أكثر من 150 ألف خلية نحل بمتوسط إنتاج يصل إلى 500 طن سنويًا من أعسال السدر والسمرة والطلح، في وقت سجل فيه برنامج "ريف" نموًا في الإنتاج الوطني ليبلغ 3,120 طنًا في 2023 بزيادة 41% منذ 2021، مع استهداف الوصول إلى 7,500 طن بحلول 2026. وأكدت د. نوف أن تطوير قطاع العسل في الطائف يستند إلى عدة ركائز، تشمل إطلاق علامة محمية المنشأ "عسل الطائف"، ورفع إنتاجية الخلية باستخدام أساليب تربية حديثة، وإنشاء مختبر متقدم لفحص الجودة والتتبع، إضافةً إلى ربط القطاع بالسياحة الريفية وموسم الورد، وتطوير خدمات التلقيح الزراعي للمزارع المحلية. وتوقعت أن تسهم هذه الإجراءات في رفع إنتاج الطائف إلى 800–900 طن سنويًا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وخفض واردات المملكة إلى 14–16 ألف طن، وزيادة مساهمة المنتج المحلي إلى 40% من الاستهلاك الوطني، مع تحقيق عوائد تُقدّر ب30 إلى 60 مليون ريال سنويًا. البيئة: برامج تدريب ودعم للمزارعين من جانبه، أكد مدير مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة الطائف المهندس هاني بن عبدالرحمن القاضي، أن الطائف تُعد بيئة زراعية مميزة لتربية النحل، بفضل طبيعتها الجبلية وتنوعها النباتي الذي يسهم في إنتاج عسل عالي الجودة على مدار العام. وأشار إلى أن الوزارة تعمل على تنفيذ برامج تدريبية وإرشادية لمربي النحل، وتقديم خدمات فحص جودة العسل، إضافة إلى تسهيل إجراءات التراخيص وتعزيز الاستدامة عبر التوسع في زراعة النباتات العاسلة، ودعم الأسر الريفية عبر برنامج "ريف" لرفع قدرات المنتجين وتحسين القيمة المضافة للمنتجات المحلية. وأوضح القاضي أن هذا القطاع يمثل رافدًا مهمًا للاقتصاد الريفي، ويسهم في خلق فرص عمل وفي تنويع مصادر الدخل ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، من خلال دعم سلاسل القيمة في التغليف والتسويق والمنتجات التحويلية. تراث عريق ومزاد تاريخي للعسل من جهته، أكد الشيخ مقبول بن ساعد الطلحي، شيخ باعة العسل ومؤسس جمعية النحالين بالطائف، أن المحافظة تُعد المركز الرئيس لتسويق العسل في المملكة، مشيرًا إلى أن مزاد العسل الأسبوعي الذي يقام منذ أكثر من 75 عامًا يجذب المشترين من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج. وأوضح أن العسل الطائفي اكتسب شهرة واسعة بفضل جودته ونقائه، مؤكدًا أن الوقت حان لاعتماد العسل السعودي هدية رسمية لضيوف الدولة، بوصفه منتجًا وطنيًا أصيلًا وإرثًا اقتصاديًا واجتماعيًا. النحالون: فرص كبيرة وتحديات قائمة بدوره، أكد عبيد الوقداني، صاحب مناحل شهد الحجاز، أن العسل المحلي قادر على دعم الاقتصاد الوطني، خاصة أن المملكة تستورد نحو 24 ألف طن سنويًا بينما يغطي الإنتاج المحلي حوالي 20% فقط من الطلب. وبيّن الوقداني أن المملكة تمتاز بتعدد المواسم التي تصل إلى 8–10 مواسم سنويًا بسبب تنوع المناخ والغطاء النباتي، مما يمنح المنتجين فرصة كبيرة لزيادة الإنتاج وتطوير الصناعة. وأشار إلى عدد من التحديات التي تواجه النحالين، أبرزها منافسة العسل المستورد منخفض السعر الذي يُعاد تعبئته محليًا، مطالبًا بوضع ضوابط لاستيراد العسل وتوضيح بلد المنشأ على العبوات حمايةً للمستهلك والمنتج المحلي. كما دعا إلى تخصيص مواقع بيع منظمة ودعم الحملات التسويقية لتعزيز حضور عسل الطائف في الأسواق. 500 طن سنويًا من عسل السدر والسمرة في الطائف الطائف تتصدر إنتاج العسل في المملكة