أضحت المملكة رقمًا فاعلًا في منظومة الصحة العالمية؛ فلم يعد دورها مقتصرًا على تقديم الرعاية لمواطنيها فحسب، بل امتد ليصبح ريادةً دولية تتجلى في مواجهة التحديات الصحية الكبرى، وتقديم نماذج متفردة في جودة الرعاية والابتكار الطبي. وهذه الريادة ليست وليدة الصدفة، بل هي ثمرة رؤية طموحة واستثمار واعٍ في بناء قطاع صحي عالمي المستوى. ولأن مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) تُعد من أخطر التحديات التي تهدد الأمن الصحي العالمي في عصرنا هذا، لما لها من تبعات اقتصادية واجتماعية وصحية وخيمة، فقد برز دور المملكة كقائد عالمي في مواجهة هذه الظاهرة المقلقة، حيث حظيت بإشادة دولية واسعة في المؤتمر الوزاري الرابع رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات، الذي استضافته بكل اقتدار. هذا التقدير العالمي يؤكد فهم المملكة العميق لهذا التحدي، ودورها المحوري في صياغة الاستراتيجيات العالمية وتنفيذ المبادرات الفعالة لمكافحة انتشار المقاومة، لضمان استمرارية فعالية العلاجات المنقذة للحياة للأجيال القادمة. إنها ليست مجرد مشاركة، بل قيادة تدفع بالجهود الدولية قدمًا. لقد شهد القطاع الصحي في المملكة نقلة نوعية في جودة الخدمات المقدمة، حتى باتت مستشفياتها تنافس الأفضل عالميًا، حيث تصدرت سبعة مستشفيات سعودية قائمة الأفضل في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو إنجاز يعكس التزامًا لا يتزعزع بالتميز. وليس هذا فحسب، بل تمكن بعضها من دخول قائمة أفضل 250 مستشفى عالميًا لعام 2024، وهو ما يُعد شهادة ثقة على كفاءة الكوادر الطبية والتمريضية، وتبني أحدث المعايير العالمية في الرعاية الصحية، وتقديم تجربة علاجية استثنائية للمرضى، مما يعزز الثقة في المنظومة الصحية الوطنية. وفي مجال الطب المعقد، الذي يتطلب مهارات فائقة وبنية تحتية متطورة، حققت المملكة نجاحات غير مسبوقة تضعها في طليعة الدول المتقدمة، كان أبرزها إجراء 20 عملية زراعة قلب صناعي في عام واحد فقط. هذا الإنجاز الطبي الهائل يُعد دليلاً قاطعًا على التقدم الكبير في الخبرات الجراحية. لقد أصبحت التقنيات الطبية الأكثر تعقيدًا، والمراكز المتخصصة والاستثمار فيها، قادرة على التعامل مع أصعب الحالات المرضية، وتعكس هذه النجاحات التطور النوعي للكوادر الطبية السعودية وقدرتها على استيعاب وتطبيق أحدث الابتكارات في مجال جراحات القلب المتقدمة، وتقديم أمل جديد للمرضى الذين يعانون من حالات قلبية مستعصية. وإيمانًا منها بأن الابتكار هو مفتاح مستقبل الصحة، تستثمر المملكة بقوة في التقنيات الحيوية المتقدمة، وقد تجسد هذا الالتزام في استضافة قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية في نسختها الثالثة، فكانت ملتقى علميًا ومنصة محورية أسفرت عن إبرام اتفاقيات مهمة لتوطين العلاجات الجينية. وتمثل هذه الاتفاقيات نافذة لنقل المعرفة، وتدريب الكفاءات، وإنشاء بنية تحتية متخصصة تُمكّن المملكة من إنتاج هذه العلاجات الثورية محليًا؛ لتعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي ودولي للابتكار في الطب، والإسهام في بناء اقتصاد المعرفة، وتوفير أحدث الحلول الطبية لمواطنيها والعالم. لتبقى هذه الإنجازات نقاطًا مضيئة في مسيرة التنمية، ومؤشرات واضحة على أن المملكة تسير بخطى ثابتة وواثقة نحو تحقيق رؤيتها الطموحة، التي تلتزم بتقديم أفضل رعاية لمواطنيها، وتسهم بفعالية في تحقيق الأمن الصحي العالمي، وتصبح منارة للابتكار والجودة في القطاع الصحي، مؤكدة بذلك مكانتها كدولة رائدة تصنع المستقبل، ليس لوطنها فحسب، بل للإنسانية كلها.