جاء تكليف السياسي الماليزي أنور إبراهيم، برئاسة الحكومة الماليزية، بعد نحو 25 عاما من الانتظار على خط الاحتياط، وعراك سياسي دام عقودا، وكان قاب قوسين خلالها من أن يصل إلى المنصب الرفيع، باعتباره كان كان حليفا مقربا لرئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، والخليفة المرجح له، إلى أن تغيرت العلاقة بين القيادتين، وأصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم، وأودع أنور إبراهيم السجن في عهد رئيس الوزراء الأبرز في تاريخ ماليزيا. وأنهى تعيين أنور إبراهيم كرئيس للوزراء أياما عصيبة شهدت أزمة غير مسبوقة بعد الانتخابات الأخيرة التي أدت لوجود برلمان معلق بسبب عدم استطاعة أي حزب ماليزي الحصول على أكثرية البرلمان. بداية لحالة عدم استقرار وبحسب المراقبين الإندونيسيين فإن ماليزيا قد تشهد بداية لحالة جديدة من عدم الاستقرار إذ يتحداه منافسه، رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، أن يثبت تمتعه بالأغلبية في البرلمان، وهذا يعني إلى احتمالات عودة الأمور إلى المربع صفر. وبعد ربع قرن من الانتظار، تولى المعارض إبراهيم رئاسة الوزراء فيما خسر حليفه السابق، الزعيم السياسي المخضرم مهاتير محمد مقعدا برلمانيا في الانتخابات العامة، وذلك لأول مرة خلال 53 عاما في هزيمة تمثل نهاية مسيرته السياسية الممتدة منذ سبعة عقود. مهاتير.. يراقب الوضع وفشل مهاتير (97 عاما)، الذي شغل منصب رئيس وزراء ماليزيا لأكثر من عقدين على فترتين، في الاحتفاظ بمقعده البرلماني وحل في المركز الرابع في منافسة خاضها خمسة مرشحين في دائرة جزيرة لانكاوي الانتخابية. وأصدر مهاتير، صاحب أطول مدة رئاسة وزراء في ماليزيا، أول بيان منذ خسارته في الانتخابات أكد فيه أنه شعر بالحزن، لكنه قبل قرار المواطنين.. وشهدت العلاقة المتقلبة بين مهاتير وأنور إبراهيم تحديد مصير ومستقبل إبراهيم الذي ظل في الاحتياط طويلا، وكان بمثابة الكومبارس في المشهد السياسي الماليزي. وما كاد الاثنان يتجاوزان الخلافات لفترة وجيزة عام 2018 للإطاحة بالتحالف السياسي الذي كانا ينتميان إليه من قبل من السلطة، حتى وقعت الخلافات بينهما مرة أخرى في غضون عامين، لتنتهي حكومتهما بعد 22 شهرا في السلطة، وتسقط ماليزيا في فترة من عدم الاستقرار. ثلاثة عقود وأدى رئيس الوزراء الماليزي الجديد (75 عاما) اليمين الدستورية، أمس الأول، ليختتم مسعى دام ثلاثة عقود للحصول على المنصب الذي راوغه مرات كثيرة، وتسبب في قضائه نحو عشر سنوات في السجن. حماية حقوق الماليزيين وتعهد رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، في أول أيام عمله في المنصب الجديد، بأن حكومته "ستكفل وتحمي حقوق جميع الماليزيين، خاصة المهمشين والفقراء، بغض النظر عن العرق أو الدين"، مؤكدا أنه لن يتقاضى راتبا خلال توليه المنصب. ووصل أنور إبراهيم، أمس الجمعة، إلى مكتب رئيس الوزراء في العاصمة الإدارية بوتراجايا، بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام الملك السلطان عبدالله، الذي عينه رئيسا للوزراء بعد مشاورات مع العديد من أعضاء البرلمان. وقال في أول مؤتمر صحفي، عقب تعينه الرسمي؛ إنه لن يتنازل أبدا عن الحكم الرشيد، ورفاهية الماليزيين العاديين، خلال فترة توليه السلطة. برلمان معلق وأسفرت الانتخابات العامة التي أجريت السبت الماضي عن برلمان معلق غير مسبوق، إذ لم يفز أي من التحالفين الرئيسين، اللذين يقود أحدهما أنور، بينما يقود الآخر رئيس الوزراء السابق محي الدين ياسين بعدد كاف من المقاعد تؤهله لتشكيل حكومة. وفاز تحالف "باكاتان هارابان" (تحالف الأمل) المعارض بزعامة أنور إبراهيم ب82 مقعدا في مجلس النواب من أصل 222، مقابل 73 للتحالف الوطني "بيريكاتان ناسيونال" بزعامة رئيس الوزراء السابق محي الدين ياسين. مرحلة مليئة بالتحديات ويتولي أنور إبراهيم المنصب في وقت مليء بالتحديات، سيما أن الاقتصاد متباطئ والبلاد منقسمة، بعد انتخابات شهدت تنافسا محتدما بين تحالف أنور التقدمي وتحالف محيي الدين الذي يغلب عليه الطابع المحافظ، ولا يضم سوى المسلمين من عرق الملايو. وقاد إبراهيم عندما كان زعيما معارضا، عشرات الآلاف من الماليزيين في احتجاجات في الشوارع في تسعينيات القرن الماضي ضد مهاتير محمد، معلمه الذي أصبح خصمه. حرب الشباب الاسلامي وبدأ أنور مسيرته السياسية كزعيم شبابي مثير للاضطرابات والقلق، قبل أن ينضم إلى حزب مهاتير رئيس الوزراء في ذلك الحين، وهو حزب المنظمة الوطنية المتحدة للملايو الذي يقود ائتلاف الجبهة الوطنية. برز اسم أنور إبراهيم، في البداية كزعيم طلابي يمتلك كارزيما وكمؤسس لحركة الشباب الإسلامي في ماليزيا. وفي عام 1982 فاجأ أنور إبراهيم الكثيرين بانضمامه إلى المنظمة المالاوية القومية المتحدة (أومنو)، الحزب المهيمن على الحياة السياسية في البلاد منذ فترة طويلة.، إذ صعد إبراهيم بسرعة على السلم السياسي، وتقلد مناصب وزارية متعددة. وفي عام 1993 أصبح نائبا لرئيس الوزراء مهاتير محمد، وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يخلفه في المنصب، لكن العلاقات بين الرجلين شهدت توترات بعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، ونشبت خلافات بينهما خصوصا بما يتعلق بملفات الفساد والوضع الاقتصادي في البلاد. عاشر رئيس للوزراء ويعتبر ابراهيم عاشر رئيس حكومة لماليزيا، والخامس في غضون 5 أعوام، وسط آمال بإنهاء مرحلة صعبة من تاريخ البلاد، تناوبت فيها الأزمات السياسية والتوترات العرقية والوضع الاقتصادي المتراجع، بالإضافة إلى تداعيات كورونا، لجعل الماليزيين أكثر تشاؤماً. التوترات العرقية ويخشى من أن تواجه حكومة ابراهيم أزمة جديدة في البلاد، عنوانها التوترات العرقية، إذ يعد إبراهيم بحكومة جامعة، وهو ما يمكن أن يستنفر الأغلبية من إثنية المالاي. ويشكل المالاي (معظمهم مسلمون ومجموعات من السكّان الأصليين) حوالي 70 في المائة من سكّان ماليزيا الذين يبلغ عددهم حوالي 33 مليون نسمة، فيما يتوزع الباقون بين إثنيات صينية وهندية. ونحو 70 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 33 مليون نسمة من عرقية الملايو، معظمهم مسلمون، وتشكل مجموعات السكان الأصليين ذوي الجذور العرقية الصينية والهنود النسبة الباقية. أمنو تتقهقر ونالت "المنظمة الوطنية المالايوية المتحدة (أمنو)، التي حكمت ماليزيا منذ الاستقلال عن بريطانيا (1957)، وحتى 2018، 30 مقعداً بقيادة إسماعيل يعقوب. تدخل الملك أنهى الأزمة وظلّت التكهنات تدور حول من سيقود الحكومة المقبلة، إذ لم ينل أي من التحالفين المتصدرين العدد المطلوب من المقاعد للفوز بالأغلبية، وهو 112 مقعداً، ما جعل الملك يدخل كحكم، ليختار إبراهيم لرئاسة الحكومة الماليزية المقبلة. الرياح عاكسته ولطالما كان إبراهيم على مقربة من أن يحصل على منصب رئيس حكومة ماليزيا، إلا أن الرياح عاكسته، بل أدخلته السجن، بتهمتي الفساد واللواط، وهما اتهامان ظلّ يؤكد أن أهدافهما سياسية، لاسيما بعدما وصلت العلاقة بينه وبين مهاتير محمد، إلى حدّ القطيعة، بعد تقارب شديد بينهما، ويعد مهاتير عرّابه السياسي. مهاتير هاجم حليفه ووصف مهاتير لأنور بأنه "غير مؤهل للقيادة بسبب طبعه". لكن مطالبة أنور بالإصلاح، وصورته الدائمة كإصلاحي، حافظتا على شعبيته. إعادة الاستقرار وتعوّل ماليزيا على زعيم، لإعادة الاستقرار للبلاد، وقيادتها في مرحلة التعافي ما بعد كورونا، وفي الوقت ذاته قيادة كتلة شعبية منقسمة، بين جناح يرى أنه تحديثي ومتعدد الثقافات والإثنيات، وآخر محافظ مسلم. ولا يعجب ضمّ أنور في تحالفه لأعضاء إثنيين صينيين، الأكثرية من المالاي، ما أدى إلى رفض التحالف الوطني بزعامة محيي الدين ياسين التحالف معه وتشكيل حكومة وحدة، بعد انتخابات السبت. ولطالما دعا أنور إلى حكومة جامعة، وإنهاء العمل بالسياسات التي تقدم امتيازات ضخمة للمالاي، ونظام المحسوبيات الذي أبقى ائتلاف "الجبهة الوطنية" (باريسان ناسيونال)، والذي يعد حزب "أمنو" الأكبر فيه، في الحكم لفترة طويلة. ولطالما استفاد "الجبهة الوطنية" من الطبيعة "المتطرفة" إثنياً، للسياسة الماليزية، ما أغرقه أيضاً في الفساد. وما كاد مهاتير وإبراهيم يتجاوزان الخلافات لفترة وجيزة عام 2018، للإطاحة بالتحالف السياسي الذي كانا ينتميان إليه من قبل من السلطة، حتى وقعت الخلافات بينهما مرة أخرى في غضون عامين، لتنتهي حكومتهما بعد 22 شهرا في السلطة، وتسقط ماليزيا في فترة من عدم الاستقرار. ورغم تكليف إبراهيم بتشكيل الحكومة، فالطريق لا يزال مليئا بالتحديات التي عليه مواجههتا، إذ يتوجب عليه تشكيل ائتلاف حاكم مناسب، كما ستكون أمامه لا شك صعوبات في الترويج لماليزيا أكثر تعددية وشمولية، في مواجهة القوى الصاعدة. وتُعدّ ماليزيا، ذات الغالبية المسلمة ولكنها تضم أيضًا أقليات صينية وهندية كبيرة، ملكية دستورية ذات نظام فريد لتناوب العرش كل خمس سنوات بين حكام ولايات ماليزيا التسع. بعد ربع قرن على دكة الاحتياط يعود إبراهيم إلى بوتراجايا (رئاسة الوزراء) في برلمان معلق واغلبية ضئيلة.. إنه شغف السلطة مسيرة إبراهيم من السجن الى الحكم.. إنها قصة ماليزيا.. أعداء الأمس.. أصدقاء اليوم..