رواية «سيد بطرسبرغ» قاتمة ومُتخيّلة على نحو جميل، فحبكتها متاهة ونغمتها شديدة الكآبة. يرسم فيها كويتزي لوحة رائعة عن حقبة من اليأس والاستحواذ والأمل، تتخذ من فيودور دوستويفسكي روائي القرن التاسع عشر العظيم كبطل للرواية، كما تعتمد الرواية على تاريخ روسيا كخلفية للأحداث، والعلاقات بين الوالد والطفل، وهنا نستشعر أن الكاتب كويتزي كتب سيرته الذاتية تحت ستار فيودور دوستويفسكي، ويتحدث عن ألمه عندما فقد ابنه، حتى أنك تشعر بألم الفقد في كل جملة « كان المؤلف قد فقد ابنه في حادث عندما كتب هذه الرواية»، كما تتناول الرواية البعد السياسي لكفاح الأجيال، في الوقت الذي يسخر فيه الشباب ذوو الحماسة الثورية العنيفة من الحذر والنزعة المحافظة الناضجة، كما ستجد بين ثنايا الصفحات شخصيات وأحداث من رواياته الشهيرة: «الجريمة والعقاب»، «المقامر»، «الشياطين»، «الأخوة كارامازوف». تبدأ الرواية بوصول دوستويفسكي إلى سانت بطرسبرغ لجمع متعلقات ربيبه المتوفى مؤخرًا بافيل. ولكن عند وصوله إلى الشقة التي أقام فيها بافيل مع أرملة تدعى آنا سيرجيفنا وابنتها الصغيرة ماتريونا، اكتشف أن الشرطة صادرت ممتلكات ابن زوجته الشخصية، ومن ضمنها مذكرات ورسائله وكتاباته الأخرى، وبعد مراجعته لمركز الشرطة لاسترجاع تلك الممتلكات، تم رفض طلبه، وأبلغه محقق الشرطة «ماكسيموف» أنه وجد بين أوراق ابن زوجته قائمة بأسماء الناس الذين يجب اغتيالهم كمقدمة للتمرد العام المؤدي إلى الإطاحة بالدولة، وأنه كان أحد مساعدي المحرض السياسي سيرجي نيتشايف، كما وجد دوستويفسكي نفسه تحت مراقبة الشرطة السرية. لذا يبقى دوستويفسكي في بطرسبورغ لانتظار الإفراج عن مذكرات ابن زوجته ورسائله وكتاباته الأخرى من الشرطة، وبينما تواصل الشرطة التحقيق في وفاة ابن زوجته، يدخل دوستويفسكي في علاقة غرامية مع صاحبة الشقة آنا سيرجيفنا، بعد أن استحوذ عليه شبح ابن زوجته أثناء محاولته التأكد مما إذا كان ضحية انتحار أم جريمة قتل، وخصوصاً بعد لقائه ب»سيرجي نيتشايف» الذي أخذه إلى المكان الذي عُثر فيه على جثة بافل، ليبين له أن الشرطة كانت وراء وفاته. ولكن دوستويفسكي يشك في أن نيتشايف يتلاعب بالحقيقة، كما يرفض كتابة كتيب سياسي يتهم فيه الشرطة بقتل ابن زوجته، وبدلاً من ذلك يكتب كتيبًا قصيرًا يذكر فيه شكوكه في أن نيتشايف وأتباعه كانوا وراء وفاة بافيل. ولكن دوستويفسكي يدرك أن هذا ما أراده نيتشايف أن يفعله طوال الوقت، من أجل تحريض طلاب المدينة ضد شخصيات قومية أمثال دوستويفسكي، والقيام بأعمال الشغب وإضرام النار في المدينة، وهذا ما أثار رعب دوستويفسكي، ويجعله يبدأ في كتابة سرد خيالي للأحداث، يقول الكاتب في وصف تلك هذا الحدث: «ولكن في الوقت نفسه الذي يجلس فيه هنا، في غاية الهدوء، يكون رجلًا عالقًا في زوبعة، سيول من الورق، شظايا من حياة قديمة ممزقة بفعل دوامة تصاعدية، تجعل كل ما حوله يطير، محمولًا عالياً فوق الأرض، تتقاذفه التيارات، قبل أن تخف قبضة الريح، وللحظة، قبل أن يبدأ السقوط، يتاح له الهدوء والوضوح التام، ينفتح العالم من تحته كخريطة بحد ذاتها».