صرح وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أن الأسلحة، التي تقدمها الدول الغربية لأوكرانيا ينتهي بها المطاف في السوق السوداء. وقال شويجو، في مؤتمر عبر الهاتف أمس الثلاثاء، نقلته وكالة سبوتنيك الروسية: "وفقًا للبيانات المتاحة، تنتشر بعض الأسلحة الأجنبية التي قدمها الغرب لأوكرانيا، وينتهي بها الأمر أيضا في السوق السوداء". وأضاف أن الغرب على أمل إطالة الصراع في أوكرانيا، يواصل إمدادات الأسلحة على نطاق واسع، مشيرا إلى أنه تم بالفعل تسليم أكثر من 28000 طن من البضائع العسكرية إلى أوكرانيا. وأشار إلى أن العملية الخاصة في أوكرانيا ستنتهي بالإنجاز الكامل لجميع المهام، مشددا أن الأولوية اليوم هي الحفاظ على حياة وصحة العسكريين والسكان المدنيين الروس. وقال شويجو، إن روسيا أنشأت ممرين إنسانيين في البحر الأسود وبحر آزوف، مشيرا إلى أنه "يتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات لضمان سلامة الملاحة في مياه البحر الأسود وبحر آزوف... تم القضاء تماما على خطر الألغام في مياه ميناء ماريوبول". من جانبه أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الغرب يبذل قصارى جهده لعرقلة عمل وسائل الإعلام التي تغطي ما يحدث في أوكرانيا بصورة موضوعية وغير متحيزة. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده لافروف ونظيره المنغولي باتمونكين باتسيتسيج في العاصمة المنغولية أولان باتور الثلاثاء، ونقلت مقتطفات منه وكالة نوفوستى الروسية. وأشار لافروف إلى أنه أطلع الشركاء المنغوليين على تفاصيل سير العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وقال: "نحن مهتمون بأن تكون الحقائق المتعلقة بالتصرفات السابقة والحالية لممثلي نظام كييف في أوكرانيا، متاحة للرأي العام العالمي على أوسع نطاق". وأضاف: "للأسف، الغرب يفعل ما بوسعه لعرقلة عمل وسائل الإعلام التي تقدم معلومات موضوعية حول ما يحدث في أوكرانيا". وفي غضون أشهر قليلة من بداية العملية العسكري الخاصة، أصبح القمح الذي طالما كان عامل سلام في فترات الوفرة، سلاحا دبلوماسيا. ويعاني أكثر من 200 مليون شخص في العالم جوعا شديدا بحسب الأممالمتحدة التي تخشى "إعصار مجاعة" جديدا جرّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد منذ بداية الصراع. ويقول الاقتصادي الفرنسي برونو بارمنتييه مؤلف كتاب "نورير لومانيتيه" إن "القمح يأكله الجميع، لكن لا يستطيع الجميع إنتاجه". اليوم، هناك عشرات الدول فقط تنتج ما يكفي من القمح لتتمكن من تصديره: الصين هي أكبر منتج في العالم للقمح لكنها أيضا مستورد رئيس لهذه الحبوب إذ إن إنتاجها لا يكفي لإطعام سكانها البالغ عددهم 1,4 مليار شخص. أما الدول المصدرة الرئيسة فهي روسيا والولايات المتحدةوكندا وأستراليا وأوكرانيا. يعتبر القمح الذي يستهلكه مليارات الأشخاص والمدعوم في دول كثيرة، "الحبوب الرئيسية للأمن الغذائي العالمي" كما يؤكد سيباستيان أبيس، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس (إيريس). أما الذرة "فتستخدم قبل كل شيء لتغذية الحيوانات أو للحاجات الصناعية". وكانت أسعار الحبوب ارتفعت بشكل كبير قبل الحرب. بدأ سعر القمح يرتفع في الأسواق العالمية اعتبارا من خريف العام 2021 وبقي عند مستويات عالية في ظل الانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة. هناك عوامل وراء هذا المنحنى التصاعدي: الارتفاع الحاد في تكاليف الطاقة جراء ارتفاع أسعار النفط والغاز، والأسمدة النيتروجينية (المصنوعة من الغاز والتي ازداد سعرها ثلاث مرات في عام)، والنقل (ازدحام الموانئ ونقص اليد العاملة) والطقس غير المؤاتي، وخصوصا المحصول الكارثي في كندا التي اجتاحتها موجة حر شديد الصيف الماضي. * لم أدت الحرب إلى تفاقم الوضع؟ عقب الغزو الروسي في 24 فبراير 2022، سجّل سعر القمح أرقاما قياسية: ارتفع سعر الطن إلى أكثر من 400 يورو في مايو في السوق الأوروبية، ضعف ما كان الصيف الماضي. وهذه الزيادة لا يمكن أن تتحملها البلدان الفقيرة، خصوصا تلك التي تستورد "30 % على الأقل من حاجاتها من أوكرانياوروسيا" كما تؤكد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو). ومثّلت روسياوأوكرانيا 30 % من صادرات الحبوب العالمية. في السنوات الأخيرة، ازداد إنتاجهما بشكل مطرد، مع احتلال روسيا قائمة الدول المصدرة فيما كانت أوكرانيا في طريقها إلى أن تصبح ثالثة. * القمح سلاح حرب؟ يؤكد برونو بارمنتييه أنه "في زمن الحرب، تتحكّم الدول المنتجة الكبرى بمصير الدول الأخرى" لأنه "لا يمكن أي دولة أن تترك عاصمتها تجوع". لكن المجاعات "لا ترتبط بإنتاج الغذاء، بل دائما ما تكون ناجمة عن مشكلات الحصول" عليها، وفق عارف حسين كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي. يقف المزارع سيرغي ليوبارسكي في أحد حقول القمح الضخمة الخاصة به في جنوب شرق أوكرانيا متسائلا كيف سيتمكن من حصاد محاصيله، في ظل نقص الوقود وخطر القصف الروسي. ويقول ليوبارسكي "يبدأ الحصاد عادة في 15 يوليو، لكن الديزل باهظ الثمن، هذا إن وجد". حصادته القديمة متوقفة في مزرعته في بلدة راي اولكساندريفكا الواقعة قرب مواقع تسيطر عليها القوات الروسية على الجانب الآخر من التل، على مسافة حوالي 30 كيلومترا غرب مدينة لوغانسك. يزرع ليوبارسكي 170 هكتارا من الأراضي، ينتج معظمها القمح لكن أيضا الشعير ودوّار الشمس، وكلها حبوب ارتفعت أسعارها في الأسواق العالمية خصوصا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا التي تعتبر منتجا رئيسيا للقمح في العالم. لكنه أُجبر على ترك 40 هكتارا بورا. ويضيف المزارع "لم نتمكن من شراء بذور الذرة لأن الحرب كانت قد بدأت" في نهاية فبراير، واستغرق وصول البذور المستوردة ما يصل إلى شهرين. ويوضح أن الأرض غير المزروعة راهنا "يستخدمها الجيش جزئيا لتخزين معدات عسكرية" فيما يشير إلى تلة قريبة ويقول "انظروا، الجنود الروس هناك، على مسافة ثمانية كيلومترات". أما بالنسبة إلى القمح، فإن الوقت ينفد. ويتابع ليوبارسكي "يمكننا الانتظار حتى 10 أغسطس على أبعد تقدير، لكن بعد ذلك التاريخ، ستيبس الحبوب وتسقط على الأرض". * "عود كبريت" - كذلك، يعتقد مزارع آخر هو أناتولي مويسينكو من البلدة نفسها، أن الأمور غير مؤكدة. ورغم أن لديه ما يكفي من الديزل لحصاد قمحه، فهو قلق من تقدّم القتال. ويقول "المشكلة هي الحرب. هل سيكون الحصاد ممكنا أم أن الصواريخ ستسقط مجددا؟" فيما كان جنود أوكرانيون يزيلون رأس صاروخ سقط على ما يبدو في حقله. في بلدة ريزنيكيفكا المجاورة، يعلم ياروسلاف كوخان أنه فقد بالفعل 40 هكتارا من القمح التي يملكها. فعادة، يهتم ابنه بالحصاد، كما يقول، لأن هذا المتقاعد البالغ 61 عاما لم يعد يستخدم الجرار الزراعي أو الحصادة. لكن في العام 2014، ذهب ابنه للعيش في كراسنودار في جنوبروسيا، في السنة نفسها التي ضمت فيها موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عقب انتفاضة شعبية في كييف. ويروي كوخان أن ابنه اعتاد المجيء بالسيارة مرات عدة في السنة لزرع القمح وإزالة الأعشاب الضارة ثم حصاده. لكن هذا العام "كان من المقرر أن يأتي إلى أوكرانيا في 25 فبراير، وهو اليوم الذي يصادف عيد ميلاده، لكن الحرب اندلعت في اليوم السابق"، كما يضيف. لذلك لم يأتِ. ولو حصل ذلك لما كان بمقدوره العودة إلى منزل عائلته في روسيا لأن الذكور الأوكرانيين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما لا يمكنهم مغادرة البلاد بسبب التجنيد العسكري. القمح أصبح سلاحاً بيد الدول المنتجة له (أ ف ب)