في مفارقة مضحكة مبكية، حشدت ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران أتباعها في العام 2014 لإسقاط الحكومة اليمنية والعاصمة صنعاء والسطو على مؤسسات الدولة، تحت مبرر إسقاط قرار رفع أسعار الوقود الذي اتخذته الحكومة اليمنية آنذاك. اليوم وتحت ضغوط مُتوالية من الجرعات الحوثية القاتلة، يعيشُ اليمنيون في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيا أزمات حادة وأوضاعا معيشية مُزرية، وعجزا قاهرا في تأمين الاحتياجات الآدمية. وأصبحت أحوال اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين تحت الصفر، وكل يوم جديد يمر تزداد الأوضاع تدهوراً وفقراً وعجزاً. وسط حصار تفرضه الميليشيات عليهم في معيشتهم وفي كل مظاهر حياتهم. وما بين فترة وأخرى تصطنع أزمة في الوقود لتبيعه بأسعار مضاعفة، ولا يكاد يمر أسبوعاً إلا ورفعت أسعار الوقود والبترول والجبايات والضرائب والرسوم الجمركية، فترتفع أسعار المواد الأساسية. خمس جرع في شهرين وأقرت الميليشيا جُرعة سعرية جديدة، هي الرابعة منذ بداية الهدنة الأممية السارية، والخامسة عشرة منذ مطلع العام 2021 في أسعار المشتقات النفطية بالمناطق الواقعة تحت سيطرتها، رغم تدفق شحنات الوقود يومياً إلى ميناء الحديدة منذ نحو أربعة أشهر وفق الهدنة الإنسانية التي رعتها الأممالمتحدة وتم تمديدها شهرين إضافيين. وكانت الميليشيا تتذرع قبل الهدنة الإنسانية بمنع دخول الوقود عبر مواني الحديدة، لكنها عجزت عن ابتكار مبررات جديدة أمام المواطنين اليمنيين لقرارها الأخير، برفع أسعار المشتقات النفطية رغم تدفق شحنات سفن الوقود عبر ميناء الحديدة، ولم يعد أمامها عذر بعد أن استهلكت كل الأعذار والمبررات. جرع الوقود وبموجب الجرعة الحوثية الجديدة التي اتخذتها الأحد الماضي، فقد ارتفع سعر غالون البنزين سعة 20 لتراً من 12000 ريال يمني إلى 14500، فيما رفعت سعر الديزل لتصبح قيمة الغالون سعة 20 لتراً 17500 ريال يمني، بدلاً من 14500 ريال. ووفق وثيقة صادرة عن شركة النفط الواقعة تحت سيطرة الميليشيا في صنعاء، فإن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية التي اتخذته الأحد الماضي، جاء بناء على توجيهات مباشرة من زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، لاستغلال فارق السعر في دعم التصنيع الحربي في مجال المتفجرات والألغام والعبوات الناسفة وتجهيز الطائرات المسيرة. جرعة الغاز وقبل أيام من قرار رفع أسعار البنزين والديزل، رفعت الميليشيا أسعار الغاز المنزلي إلى أسعار خيالية، حيث ارتفع سعر الأسطوانة الغاز 8500 ريال يمني، بدلاً من 5000 ريال. عدا عن عدم توفر مادة الغاز المنزلي في المحطات الرسمية، واقتصار توزيعها عبر المشرفين الحوثيين في المربعات والأحياء، حيث تشترط الميليشيا على المواطنين الحضور والمشاركة في الأنشطة والاحتفالات والدورات التي تنظمها مقابل إدراج أسمائهم في كشوفات الذين يمكنهم شراء مادة الغاز. وأدى قرار رفع أسعار الوقود في المحافظات اليمنية، إلى ارتفاع قياسي في أسعار المواد الأساسية، وأجور النقل والإيجارات، ومختلف السلع، وسط انقطاع المرتبات منذ ست سنوات، وانعدام فرص العمل جراء الحرب الانقلابية التي دمرت مناخ الاستثمار والتنمية وعطلت الأعمال. غير مُكترثة ولا تُبدي الميليشيا أي اكتراث لمعاناة اليمنيين، حيث تؤكد أرقام الأممالمتحدة وصول الفقر والمجاعة إلى مستويات خطيرة، تجاوزت ال 70 %. وتقدر تقارير الأممالمتحدة والمنظمات الدولية ما تحصل عليه الميليشيا من عائدات ورسوم وجمارك وضرائب ما يزيد على ملياري دولار بحسب تقرير الخبراء الأمميين، فيما تقول تقارير الحكومة اليمنية إن الإيرادات التي تستحوذ عليها الميليشيا من الغاز المنزلي تتجاوز 650 مليار ريال ريمني، كما تبلغ عائداتها من الوقود نحو 670 مليار ريال يمني سنوياً. وفي المقابل لا تلتزم بأي واجبات تجاه المواطنين اليمنيين، بلغ أنها تصادر مرتبات أكثر من مليون ونصف موظف مدني وعسكري منذ قرابة سبعة أعوام. استقالات جماعية وأثارت الجرعة الحوثية الجديدة وقرار الميليشيا في رفع أسعار المشتقات النفطية والغاز في المناطق الواقعة تحت احتلالها، موجة كبيرة من الغضب والتنديد في أوساط المواطنين ومواقع التواصل الاجتماعي والناشطين والكتاب الذين اعتبروا الجرعة الحوثية إمعان في إذلال اليمنيين وانتهاج سياسة العقاب الجماعي، وممارسة أبشع صور الاستغلال مع تردي الأوضاع الإنسانية المزرية، واستمرار انقطاع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين منذ ستة أعوام وفي ظل المأساة الإنسانية التي صنعتها الحرب الانقلابية. وكشف عضو مجلس النواب المقرب من الحوثيين، أحمد سيف حاشد، أن عدد من القضاة قدموا الاثنين، استقالتهم من العمل في النيابة العامة بسبب الظروف المعيشية المزرية نتيجة سياسة الميليشيا وفسادها. وقال حاشد في سلسلة تغريدات بتويتر: "إيرادات الضرائب التي حصلّتها الميليشيا في صنعاء خلال عام 2020 فقط تجاوزت ترليوناً وأربع مئة مليار، فيما ترفض صرف مرتبات الموظفين والقضاة". مؤكدا أن أعضاء مجلس النواب الموالين للحوثي والمتواجدين في صنعاء، لم تصلهم موازنة حكومة الحوثي ولا حساباتها الختامية. الانفجار من الداخل وأضاف "الحوثي باغت الشعب بجرعة جديدة، ويأتي العيد والموظفين بلا مرتبات ولا سلام ومن دون خدمات وبلا حياة، فيما الأسعار تزداد وتشتعل في كل حال، وعيد مشبع بالفاقة والعوز والموت البطيء". ووصف عضو مجلس النواب المتواجد في صنعاء، ما يفعله الحوثيون بالشعب اليمني في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، ب"ظلم باذخ يكبر ويتسع، وجبايات بلغت عنان السماء". وعلى إثر تغول فساد وعبث الميليشيا وقرار رفع أسعار الوقود والغاز وانهيار الأوضاع المعيشية والأمنية في مناطق سيطرتها، حذر عضو اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين، صادق أبو شوارب، من تبعات ومخاطر السياسية التي تنهجها الميليشيات، كما توقّع "اندلاع حروب شديدة في صنعاء حرب الجميع ضد الجميع بسبب سياسة الحوثي في المجلس السياسي الأعلى". من الأنين إلى الغضب من ناحيته، وجّه محمد المقالح عضو اللجنة الثورية الحوثية، حديثه إلى قيادة الميليشيا، قائلاً: "خرجت السوق في صنعاء ووجدت الشعب اليمني كله يدعي عليكم بالهلاك حتى أنني أشفقت عليكم من دعاء المظلوم". وكتب المقالح مخاطباً عبدالملك الحوثي: "في السوق والمسجد والطريق تجد الناس يدعون على جماعتك، بينما لا تجد في مكتبك سوى قهقهات أصحابك". مضيفاً "هذا الأنين الذي تسمعه ويسمعه الجميع لن يبقى أنيناً إلى الأبد، فلا تضع إذن من طين وأخرى من عجين حتى لا تسمعه، فغدا ينفجر هذا الأنين غضبا وستكون أمامه مبلسا وأكثر من يفاجأ به". دعوات للإضراب الشامل فيما دعا القيادي الحوثي نصر جباري إلى الإضراب الشامل وشلّ الحياة في كل مراحل الحياة في صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثي. متهماً الحوثيين بنهب وسرقة المواطنين وزيادة معاناتهم. وفي سياق مخاطبة قيادة الميليشيات الحوثية، تساءل الصحفي والكاتب الروائي اليمني لطف الصراري قائلاً: "إلى أين ذاهبين بالبلاد". مضيفاً: "جرعة جديدة على البترول والديزل في صنعاءوالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وتعرفة الكهرباء قفزت من 420 ريالا للكيلوات إلى 490، فيما سعر الدجاج يتصاعد مقابل تضاؤل حجمها، أسعار المواد الغذائية ترتفع بصورة شبه يومية أو أسبوعية في أفضل الأحوال". في السياق علّق الكاتب والصحفي المعروف بقربه من الحوثيين، عبدالوهاب الشرفي على الجرعة الحوثية الجديدة في أسعار المشتقات النفطية، قائلا: "رفع سعر البترول إلى 14000 لم يسبق أن وصل إلى ذلك قبل الهدنة الأممية أيام احتجاز السفن النفطية لأشهر كما أنه لا يوجد ارتفاع في سعر الدولار حتى تكون هناك مبررات واضحة ومقبولة". المواعش! ومع كل جرعة سعرية جديدة تفرضها الميليشيا، يخصص عبدالملك الحوثي سلسلة من الخطابات الطويلة والمحاضرات المُملة، مُحذرا من أصوات الرافضين والمنددين بالأوضاع المعيشية وقرارات رفع السعر على المشتقات النفطية والوقود، مبرراً ذلك بالإجراءات الضرورية. وفي محاضراته الأخيرة، بدا الحوثي منفعلاً وموتوراً، إذ هاجم الموظفين اليمنيين المطالبين بمعاشاتهم ومرتباتهم المنقطعة منذ ست سنوات، وأطلق عليهم صفة "المواعش" وهي مرتبة تضعهم بمنزلة الدواعش. وضمن خوفه من اندلاع انتفاضة شعبية في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشياته، وجه الحوثي عناصره في محاضرته الأخيرة بعدم الحديث عما يجري من فساد ومظالم في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ودعا جماعته إلى الحد من تعزيز ونشر الخلافات والصراعات الداخلية بين أجنحتها. تحذير وخوف وحذر ميليشياته من إمكانية اختراق من يصفهم في خطابه بالأعداء، وإمكانية الثورة ضدهم، كما وصف النزاعات والأصوات المنددة داخل جماعته بالانقسام وإثارة الفتنة. وقال الكاتب والصحفي اليمني، سلمان المقرمي: "يمكن القول إن الحوثي يدرك جيدا حجم السخط الشعبي ضده وجماعته، وعوامل الضعف والوهن التي بدأت تعتري قوى ميليشياته، بعد فشل الهجوم على مأرب الذي بدأ في 2019 وانتهى مطلع 2022 دون نصر حاسم، بالإضافة إلى انهيار الأمن والاقتصاد وعجز جماعته عن إنتاج رؤية ممكنة لدولته الانفصالية". ولفت المقرمي إلى أن الحوثي في خطاباته الأخيرة يوجه تحذيرا شديدا لجماعته من أن السكان في مناطق سيطرة جماعته قد يطيحون بهم أن استمر الوضع على ما هو عليه، مشيراً إلى أن الحوثي واصل خطابات التحذير لجماعته، وهي المستهدفة أساسا بهذه السلسلة من الخطب اليومية خلال الفترة الأخيرة، من أن ثورة شعبية قد تندلع ضدهم.