يقول الرحالة البريطاني داوتي سنة 1878: كثيرة هي حكايات الحج العربية عن أعوام الكوليرا وهذه واحدة منها. كان ثمة رجل فقير يحتضر بجانب الطريق، وكان أصدقاؤه يحفرون بأيديهم بورع في الأرض ثم وضعوه في قبر قليل العمق، وعلى عجل أهلوا الرمل فوق ميتهم وانطلقوا مع القافلة السائرة. شيئاً فشيئاً في هذا الدفء الجاف، عاد الميت إلى الحياة، نهض من مدفنه الضحل وعاد إلى وعيه فرأى عالماً خاوياً وموكب الحجيج قد ذهب عنه. فصار المريض يسير مترنحاً على آثار أقدامهم في البرية ويرتاح من قلعة إلى قلعة، ومن بدو إلى بدو فقطع سيراً على الأقدام تلك المئات من الأميال المقفرة إلى دمشق حيث وصل إلى بيته، وهناك لم يستقبل إلا استقبالاً وضيعاً من قبل أقرب أقربائه الذين اضطربوا جميعاً دون أن يحسنوا به الظن على أنه هو نفسه نظراً لأن الذين وضعوه في القبر قد وضعوه ميتاً متخشباً في الجزيرة العربية. لقد حزنوا عليه باعتباره ميتاً، والآن يعود في غير أوانه وقد تقاسموا تركته.