الرواية الأولى من رباعية جون فانتي أو كما تُسمى ملحمة ارتورو بانديني، والتي نشرت سنة 1938، لكنها لم تحظَ بالصدى الذي تستحقه، حتى أعاد اكتشفاها الكاتب تشارلز بوكوفسكي من خلال قراءته لرواية «اسأل الغبار» الرواية الثالثة من ملحمة أرتورو بانديني، التي يمتاز أسلوبها بالواقعية (الأدب الواقعي)، صوّر جون فانتي الذي صُنِّف من عظماء روائي القرن العشرين في أميركا، في روايته هذه الجانب الزمني والمكاني للرواية حيث عبَّر عن مرحلة مهمة في حياة الإيطاليين المهاجرين إلى أميركا وخاصة في الربع الأول من القرن العشرين، حيث كانت أوروبا تعاني من ويلات الحروب والتهجير والحالة الاقتصادية السيئة. رواية عن العائلة، الحب، العلاقات، التخلّي، الخيانة، عن التغيرات البشرية في ظل الدوافع المتعددة، عن تأثير المناخ على الأرواح، عن المال، عن الشتاء القارس، وهو الاختبار الصعب لقدرة المرء على التحمل والصمود. تدور أحداث الرواية خلال فصل الشتاء في مدينة كولورادو الأميركية، لعائلة مكونة من الأب سفيفو بانديني الأميركي ذي الأصول الإيطالية، وزوجته ماريا الكاثوليكية الملتزمة، وأبنائه الثلاثة، آرتورو وأُغست وفدريكو، أرتورو أكبر أبنائه، وهو بطل الملحمة، ذلك الفتى المراهق الذي يذكرني ب هولدن كولفيلد بطل رواية «الحارس في حقل الشوفان». ف أرتورو مراهق متمرد على ظروف حياته، ومشاكس لأخويه الصغيرين، يمقت العالم، حتى والديه لم يسلما من كراهيته. يعاني من كل الصراعات بداخله، من عقدة الذنب التي تنهشه من الداخل، تائه بين أبٍ يغيب عن البيت لأيام، وأمٍ تفضل الرب على أطفالها الصغار. أوغست وفدريكو الطفلان الصغيران المشاكسان، حاضران دوماً بمشكلاتهما الصغيرة لكن المعقدة، الأب سفيفو يعمل بنّاء، والذي يواجه مشكلات عدة بسبب قلة العمل في فصل الشتاء، كما أن الأب وبسبب قلة العمل اعتاد على السكر ولعب القمار مع أصدقائه لينتهي به الحال بخسارة المزيد من النقود، ولكن يحدوه الأمل في قدوم الربيع حتى تتحسن أحوالهم. عبر السرد بلسان الشخصية، والانتقال من الحدث الحاضر إلى الماضي دون تضارب زمني، أو فاصل ما بين الزمنين، فكأن الحاضر والماضي يجريان في خط مستقيم واحد، فيعود لرواية حدث ماضٍ مرتبطٍ بحاضر يرويه، وكذلك الانتقال من الحدث الحاضر إلى المستقبل، فتبدأ الشخصية بالتفكير في المستقبل أو كيف سيكون الوضع في قادم الأيام، عبّر فانتي عن مشكلات عدة تمثلت في مشكلة التأقلم مع المجتمع، بسبب أصول العائلة الإيطالية داخل المجتمع الأميركي، والفاقة التي شكلّت للعائلة مشكلة في عيش حياة جيدة، والصراع النفسي بسبب التأثر الديني والمتمثّل في مواقف عدة مع آرتورو، والتعصب الديني والالتزام الذي مثّله أوغست. يقول جون فانتي: «الآن، بعد أن أصبحت رجلاً طاعناً في السنّ، لا يمكنني العودة إلى رواية "انتظر حتى الربيع يا بانديني"، دون أن أضيّع أثرها في الماضي. أحياناً، عندما أكون مستلقياً في السرير ليلاً ستفتنني عبارة أو فقرة أو شخصية من ذلك العمل القديم، فيما يشبه الحلم، وسوف أضفرها معاً في عبارات، وأسحب منها نوعاً من ذكرى شجية عن غرفة نوم قديمة في كولورادو، أو أبي، أو أخواي وأختي، لا يمكنني تخيّل أن ما كتبته منذ وقت طويل جداً سوف يمنحني السكينة كما يفعل نصف الحلم هذا».