تلقي الحرب الأوكرانية بظلالها بقوة على المشهد السوري، في ظل التأثير الكبير لأهم أقطاب الحرب على أوكرانيا في الأراضي السورية، حيث تهدد روسيا باستخدام حق النقض "الفيتو" في الأممالمتحدة لمنع تدفق المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية، كما تستغل اسرائيل انشغال روسيا في أوكرانيا من خلال التصعيد ضد ميليشيات إيران في دمشق في هجمات أخرجت مؤخراً مطار دمشق الدولي عن الخدمة. من جانب آخر تتحدّث تركيا عن عملية عسكرية مرتقبة في الشمال السوري للتعامل مع مخاوفها الأمنية على الحدود في ظل ما يبدو استعداداً روسياً للتنازل لتركيا أمام رغبة روسيا بانتزاع بعض المكاسب من أنقرة، العضو في حلف الناتو. وبينما لا يزال يعاني الشمال السوري من أزمة وباء كورونا حيث لم يتم تطعيم سوى 10٪ فقط من السكان ضد الفيروس، تقترب امدادات اللقاح والأدوية من النفاذ في المنطقة في ظل مستقبل غير معروف حول امكانية تمديد فتح المعابر وذلك بعد تصريحات روسية حول ضرورة حصر إيصال المساعدات إلى المناطق التي تسيطر فيها حكومة دمشق. ويتخوّف سكان الشمال السوري من تراجع اهتمام المجتمع الدولي بتقديم المساعدات الانسانية للبلد الذي لا يزال منكوباً بسبب تبعات الحرب في ضوء انشغال المجتمع الدولي بمد يد العون لأوكرانيا. وبحسب مارك كاتس المنسق الإقليمي للملف السوري للشؤون الإنسانية في الأممالمتحدة، فمن المتوقع أن تنتهي عمليات إيصال المساعدات إلى الشمال السوري غير الخاضع لسلطة دمشق بحلول شهر يوليو القادم في حال أقدمت روسيا على اتخاذ هذا القرار. إسرائيل تتعهّد بإنهاء الوجود الإيراني وسط صمت روسي يبدو أن اسرائيل قرّرت اتخاذ زمام المبادرة للتعامل مع المخاطر الإيرانية على حدودها، فبينما يلمح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالين بينيت باستحياء عن قيام بلاده باستهداف العلماء النوويين والمنشآت النووية الإيرانية في الداخل الإيراني، تقصف اسرائيل دمشق علناً بشكل دوري مستهدفة ميليشيات إيران التي لا تزال ترى في دمشق الملجأ الأكثر موثوقية لها في الأراضي العربية. وبينما تحتاج روسيا إلى أكبر قدر من الدعم أو الحيادية من دول الشرق الأوسط مثل إسرائيل فيما يخصّ حربها على أوكرانيا، تضطر للسكوت أكثر من أي وقت مضى على القصف الإسرائيلي الذي يستهدف دمشق، وأدى إلى اخراج مطارها الدولي الوحيد عن الخدمة خلال الأيام الماضية. وبينما تبدو الحرب السورية قد انتهت واستقرّ الحال السوري على ما آلت إليه الأمور من انقسام سورية بين مناطق سيطرة المعارضة المدعومة تركياً، ومناطق سيطرة قوات سورية الديموقراطية (قسد)، ومناطق سيطرة النظام، يبدو أن سورية لا تزال هشة وقابلة للانهيار من جديد على أثر أي رياح تهزّ العالم حتى لو كانت الريح في أوكرانيا الواقعة شرق القارة الأوروبية. وبينما تشن اسرائيل منذ سنوات هجمات لا حصر لها على قوافل الأسلحة الإيرانية داخل مطار دمشق وحوله، يبدو أن الأضرار التي لحقت بالمطار مؤخراً كانت غير مسبوقة، كما كان الصمت المطبق من الحكومتين السورية والروسية على الهجمات الاسرائيلية غير مسبوق أيضاً. وتستهدف اسرائيل عمليات نقل الأسلحة التي تقوم بها إيران عبر مطار دمشق الدولي، كما باتت سورية التي تشكّل جسراً برياً لنقل السلاح الإيراني إلى العراق هدفاً مشروعاً بنظر المجتمع الدولي لاسرائيل التي تخشى من تعاظم نفوذ إيران على حدودها. من جانبه يقول جابرييل نورونها، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية ل"الرياض": "الحرس الثوري الإيراني يستغل حتى المرافق المدنية السورية لخدمة مشروعه الإرهابي وتكديس السلاح في كل من سورية ولبنان والعراق". مضيفاً، لا يخفى على أحد أن المصالح الاسرائيلية - الروسية كثيرة ومتشعبة، وترغب روسيا في هذه الأثناء إرضاء الجانب الاسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، لذلك نرى ما يشبه التنسيق غير الرسمي والذي يقود إلى استهداف ميليشيات إيرانية في سورية. وبحسب تقرير وسائل إعلام موالية لإيران، فإن روسيا كانت تعلم بنية اسرائيل قصف مطار دمشق الدولي لذلك لم يتم تفعيل الدفاعات الجوية السورية بينما كان يحدث هذا الاستهداف. وتقول التسريبات الأخيرة لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إن إسرائيل تنسق سراً مع واشنطن بشأن الضربات الجوية التي تنفذها في سورية. كما يفيد مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون فإن كبار صنّاع القرار في القيادة المركزية الأميركية وفي وزارة الدفاع (البنتاغون) يوافقون على العديد من المهام الإسرائيلية لعدة سنوات مقدماً. وتقول الصحيفة إن واشنطن تدعم حرب الظل الإسرائيلية ضد إيران، وتبدي استعدادها خلف الكواليس إلى حماية اسرائيل اذا ما أقدمت ميليشيات إيران على القيام بعمل متهوّر ضد الجانب الإسرائيلي. وبحسب الوول ستريت جورنال فإن أحد أسباب فشل التفاهم الأميركي - الإيراني في فيينا هو إصرار طهران على توسّط واشنطن لدى تل أبيب لتخفف من ضرباتها الجوية على الميليشيات في سورية، غير أن الجانب الأميركي رفض ذلك. في رسالة ردع لإيران، الأردن يتلقى دعماً أميركياً متطوراً من جانبه يبدي الجار الأردني مخاوفه من الفوضى الشاملة التي تصدّرها سورية من تجارة المخدرات العابرة للحدود إلى نشاط الميليشيات المدعومة إيرانياً على الحدود الجنوبية لسورية. وردأ على مخاوف تحدّث عنها العاهل الأردني الملك عبدالله، من تراجع النفوذ الروسي لصالح إيران على الأراضي السورية، تلقّى الأردن عقداً ممول من أميركا حصل الأردن من خلاله على ثمان مقاتلات أميركية من طراز اف-16 بلوك 70 المتطورة في رسالة تحذيرية لإيران التي تحاول استغلال الأراضي السورية لبث الفوضى.