كانت عشية الميلاد للعام 1931م أمسية ملؤها الفرح والسرور بالنسبة للوزير والمستكشف البريطاني توماس وفريقه أثناء اجتيازه الربع الخالي باتجاه الشمال كانوا قد وصلوا إلى المخيم متأخرين بعض الشيء حيث جرى عقل الجمال كالمعتاد وسوقها نحو الشجيرات المتناثرة والتي تصاعدت من وراء بعضها الجلبة النشيطة للرجال الفرحين المتحلقين حول نيران الخيام وفجأة تناهت إلى سماعهم صرخة قوية بدت بالنسبة للوزير أشبه بنعيق بومة أو صرخة حيوان مألوم كما يقول، لكنها ولدت حالة من الذعر الفوري عمت أنحاء المخيم الذي بات للتو في حالة من الاضطراب والتحفز. وثب البدو المنفعلون من أماكنهم وبنادقهم في أيديهم وهم يصرخون الغزو الغزو وأقبل الخادم نحو الوزير راكضاً يحمل بندقيته الونجستر وحزام الطلقات، رفقاؤه ضامنوا الحماية اندفعوا خارجاً وهم يصرخون نحن متيقظون نحن متيقظون وصاح كل واحد منهم أنا أبو فلان مسمياً قبيلته معلناً أن الركب تحت حمايته. كان الهدف كما قال من أجل إنقاذهم من اللصوص إذا كانوا من قبيلتهم مؤكداً أن مثل هذه العزوة أو الصرخة لا ترد أبداً. انتشر باقي الرجال على عجل في كافة الاتجاهات رغم عدم قدرتهم في عتمة الليل على التواصل فيما بينهم وبدا من السهل أن يبطش بعضهم بصديقه على أنه عدو. كان الوزير في حالة يرثى لها من الإجهاد والخوف وبالتالي على تمام الاستعداد للاعتقاد بأن ذلك الإنذار الكاذب كان صادراً من أحد الحيوانات المتوحشة وليس عدواً. لذلك فقد تراجعت حالة الاستنفار لديه وبقية فريقه. كان افتراضه صحيحاً إذ أظهرت الآثار التي تم اكتشافها صباح اليوم التالي مرور ذئب بالقرب من المكان وقد تناهى عواؤه إلى أسماعهم وكأنه صرخة الإنذار التقليدية التي يطلقها جماعة الغزو في أثناء استعدادهم للهجوم. إلى هنا يقول الوزير إنه ينبغي لكافة الرحالة والمسافرين عبر الصحراء أن يكونوا على دراية تامة بتكتيكات الإغارة وأساليبها فالجماعة القادمة قد تكون صديقة ولكن يجب دائماً الافتراض بأنها عدو ولو أن عواء ذلك الذئب شكل إنذاراً حقيقياً لما توجسوا منه خيفة. وإطلاق رجاله كما قال مع الحدث وابلاً من النيران في الهواء في ذلك الاتجاه وهو إجراء يقدر له بأية حال من الأحوال حتى يخفف من حميّة أولئك الدخلاء المفترضين ويطفئ جذوة حماسهم مع مبادرة رفقائه على الفور إلى التعريف بأسمائهم وأسماء قبائلهم وكان بالإمكان التعرف على الصيحة (العزوة أو النخوة) إذ إن لكل قبيلة تقريباً صيحتها الخاصة والمميزة. أحد الأعضاء من القادمين كان سيبادر إلى التعريف بنفسه إذا ما اطمئن إلى حقيقة الوضع كان ورفيقهم سيتقدمان من بعضهما البعض من جهتين متقابلتين للتعارف والسماح بدخول الوافدين الجدد إلى داخل المخيم وإذا ما تصادف والتقت جماعتان أثناء النهار سيتقدم الرفيقان من الجانبين لبعضهما مئات من الياردات للتعريف والتعرف بينما يتوقف الجمعان كلاهما عن التقدم بشيء من القلق والتوجس. في حال تبين أن الجمع القادم جماعة معادية يهرع السبر أو الفرد المتقدم عائداً إلى جماعته الذين سيبادرون إلى إطلاق النار من مسافة بعيدة أما إذا كان ظهور مفاجئ للعدو المفترض فيعمد الرجال إلى إناخة جمالهم والتموضع أمامها في أنساق منتظمة والمبادرة لفتح النار والهدف دب الذعر في صفوفهم وردهم على أعقابهم. ويمضي إلى أن الغلبة دائماً للجماعة الأقوى ونادراً ما يكون الفرار مجدياً للفريق الأضعف وإذا لم يتمكن الغزاة من تحقيق النصر يصار إلى ما يشبه حرب استنزاف حتى نفاد ذخيرة أحد الفريقين لأن قوانين الصحراء تقضي بعدم الاستسلام طالما بقي في جعبة المقاوم رصاصة واحدة ولكن في حال كانت أرجحية القوة للفريق المهاجم فلن يكون هناك أي مجال للمهادنة وسوف يعمدون إلى الإجهاز على ضحاياهم من دون تأخير. الاستسلام لأول قادم باتجاهه هو الأمل الوحيد للمرء بالنجاة (سلمني) هو المكافئ العربي لصرخة الاستسلام والبندقية مرفوعة فوق الرأس أو ملقى بها جانباً و(في وجهي) هو رد المنتصر إذا ما رغب في إبداء الرأفة. وإذا ما كان لدى الأسير المفترض سبب وجيه للقبول بشروط جيدة للاستسلام قد يقول اتركني مع بندقيتي أو جنبيتي أو ناقتي ولكن تبقى أمنيات صعبة المنال فيصبح الأمل النجاة والعودة لأهله وذويه بأيدٍ خاوية ولكن في حال تعرض أحد المهاجمين للقتل فلابد لقانون الثأر البدوي أن يكون هو الفيصل على مبدأ العين بالعين، كذلك في حال بادر المهاجم إلى الرد على المستسلم بعبارة في وجهي فليس له أن يتوقع أي رحمة، وهكذا هنالك نوعان من جماعات الإغارة جماعة ليس بينها وبين قبيلتك أية ثارات دم، وأخرى يوجد لها مع قبيلتك ثارات، كلاهما يريد إبلك وأسلحتك وقد تصل الأطماع إلى محارمك. رمال الربع الخالي عواء الذئب يشبه صرخة إنذار الغزو سعود المطيري