رواية النخلة والجيران للكاتب غائب طعمة فرمان عن التاريخ والمكان، ترسم مصائر مجموعة بشرية بائسة على هامش التاريخ، تتكاثر الشخصيات في الرواية، والأحداث التاريخية التي تعيد صياغة العالم تضيء المشهد التاريخي لتلك الشخصيات، وتتركها تدور في حركة عاجزة قوامها التفكك، وشروط حياتها متشابهة إلى درجة التطابق. تدور الرواية في بغداد، في أحياء صفتها الأولى الفقر، أما زمن الرواية فهو السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وفترة الاستعمار البريطاني، تفتتح الرواية على «سليمة الخبازة»، امرأة محملة بالتعب والحزن والحرمان، إلى جانبها نخلة عاقر مهجورة تعيش خارج الزمان، تشبهها وتعيش معها في حوش قديم يسبح بالموت والنسيان، وتتحمل كل المياه القذرة التي تلقى في حوضها، تعبت سليمة من تراكم التعب ولسعة النار والنهوض فجراً لصنع الخبز، ومن خلال «مصطفى» صديق زوجها الذي يسوق مهربات إنجليزية، تحاول سليمة أن تجد طريقاً جديداً في الحياة، ولكن مصطفى يأخذ نقودها ويعطيها الأوهام، وحسين الغارق في الضياع، يتكئ على موروث والده القتيل، وهو شاب ضائع لم ينه دراسته ولم يتعلم صنعة، يعيش وضع اليتم ويقتات على ما تجود به زوجه أبيه سليمة الخبازة، ويقيم علاقة عاطفية مع تماضر الفتاة الهاربة من أهلها بعد محاولة إجبارها على الزواج. ومن حول سليمة والنخلة شخصيات أخرى «الجيران»، مخلوقات جديرة بالرثاء، تتحرك على مسرح الفقر، شخصيات مختلفة الوجوه والأسماء، ولكنها تتماثل في مضامين الشخصيات، البيئة قاسية تنخر فيها الفوضى ممثلة في الوضع الاقتصادي، وضعف الحكومة الملكية، والاحتلال البريطاني، وانتشار العنف، بيئة تندثر فيها القيم الأخلاقية، ويتحول الحب إلى نصب واحتيال ودعارة، ويتحول الطموح إلى نفاق، والرغبة في التغيير الى جريمة، تقول الرواية عن المكان الذي تتحرك فيه الشخصيات: «قطعة من الأرض مستطيلة مسورة بصفائح مضلعة متآكلة مكتسية بلون الحناء، مثقوبة بثقوب مجهولة الأصل»، جميع الشخصيات تبحث عن حل لمشكلاتها من خلال إلغاء وجود غيرها، فيرى حسين الحل في بيع الحوش القديم الذي تعيش فيه سليمة الخبازة، وتماضر من خلال حسين، ونشمية في بيع جمال البنت التائهة «تماضر»، ومصطفى في نقود الخبازة. رواية واقعية ترسم الواقع الاجتماعي، كتبت قبل زمن، ومر زمن وذهب كاتبها إلى المنفى، وظلت الرواية صحيحة تشهد على زمانها، وترسم وضوح القديم والتباس ما يأخذ مكانه، فنرى ما ينهار ولا نرى ما يولد. يقول د. عبدالله إبراهيم عن الرواية: «خضعت رواية النخلة والجيران إلى زمن شبه راكد في نظام أحداثها، فالبشر والأشياء والأمكنة تتردّى ببطء، وظل وعي الشخصيات بذاتها وعلاقاتها ساكنا لم يتعرّض للتغيير، فاكتسى كل فعل بعدمية، وانتهى بإخفاق، وفيما كان يخيّل للمتلقّي بأن خبز «سليمة» علامة إنتاج مفيدة في مجتمع استهلاكي، مثل حب «تماضر» في بيئة خلت من الحميمية، فإنهما (الخبز والحب) أصبحا ذريعة للخداع والاستغلال، فحلم الإنسان المجرّد عن الوعي يقوده إلى الوراء في حركة لا نهاية لها، فيتعثّر بما هو أسوأ مما كان عليه، وكأن الحياة متاهة كبيرة نزعت عنها العلامات الدالّة على النهاية». وقد قيل عن هذه الرواية، وقت صدورها: «إنها وليدة الحياة التي عاشها الكاتب في حي شعبي من أحياء بغداد القديمة»، وأكد الكاتب نفسه أنه إنسان وبسيط من عائلة كادحة وبسيطة، وأن قضيته كما عكسها العمل الروائي سواء في الحياة أو الأدب، لا تخرج عن هذا الإطار، ويقول غائب طعمة فرمان عن الرواية: «لقد أحببت الكادحين وعشت معهم، وهم ليسوا أصدقائي ومعارفي فحسب، بل أقاربي»، تتميز الرواية بلغة محكية كتبت بها وكأنها تذكر العراقي بأهمية اللهجة العراقية، ذلك يعني شبه استحالة فهمها لغير العارفين بها، إلا أنها تصف بدقة المعاناة التي يعيشها العراقي البسيط، كما يشبه دور المرأة العراقية بالنخلة في صمودها وشموخها وتحديها لصعوبات الحياة العديدة والمرهقة التي تثقل كاهلها، كما تسلط الضوء على استغلال أصحاب النفوس الجشعة والمريضة فقر البعض وحاجتهم للمال للسطو على جهودهم. خالد المخضب