تمر المناسبات الغامرة بأفراحها عاماً بعد عام، وفي كل مرة تكون لي طريقة مختلفة للتعبير عن شعور الفرح والسرور، يميز هذا العام حضور الكثير من الفرح الغائب؛ الذي كان حيّاً بأصوات أهله، بنصوصهم وأدبياتهم، بابتساماتهم والصور التي بقيت شاهدة على جمال أرواحهم، يمر العيد بعد كل مسارات الفقد التي تنقلت بينها لأتساءل: هل سأسعد هذا العام في عيدي؟ تنساب الأسباب مجيبة متفاوتة، فالمبلغ النقدي الذي كنت أحظى به كل عام لم أعد أمسكه بيديّ، بل وحتى يديّ لم تعد صغيرة ناعمة لم ينسج الجهد والكد خشونته عليها، كما أن الكتّاب المفضلين الذين اعتدت قراءة معايداتهم والتفاعل معها، والتي كانت سمة التواصل الاجتماعي الأبرز، في خاطري: أن أتمكن من معايشة كتاب السطور النابضة بالشعور والمعبرة، فأعايدهم كما أعايد جيراني وأحبابي؛ صرت أفتقدهم كما أفتقد الجميع في السنَّة الحياتية، فحين فتشت في قلبي في هذا العيد وجدت أسماء نابضة بالفقد كان عيد العام الماضي حافلاً بالتهاني منهم، فكيف أعيش شعور العيد دونهم؟ أجابتني حينها رغبة الدفاع عن أحقية الفرح، فأفاضت مشاعر التجاوز التي يمانع فيها الشعور عن صياغة ما يعانيه بتجاوز ما يحزنه، أو ما لا يطيق إحكام سيطرته عليه، لكني حقاً لا أريد التجاوز، بقدر ما أردت الغوص بحثاً عن طريقة للعيش بحضرة ذكريات أصيلة؛ لا تمنعني من وجود كل المشاعر الإيجابية، أليس غياب من يكتب؛ لا يمحو ما كتب؟ أليست المشاعر التي صدقتها؛ لا يغير فقدان قائلها من مدى شعور تصديقها، وتأثيره؟ لربما كان انقطاع العيديات النقدية إشارة إلى أنه بات بإمكاني أن أشارك بهجتي بها كمانح لها؛ أليس الآخذ يعطي؟ والمعطي يأخذ؟ لربما كان حضور الراحلين في ذاكرتي دليلاً على حياتهم، فها أنا أتدثر دفء ورود أسمائهم، ويعود العيد في كل مرة ليخبرني أني عامرٌ بأفراحهم حتى بعد ارتحالهم، فقد عاشت بعدها آثارهم. لربما كانت حاجتي الأبرز إلى معرفة الطريقة التي يتماهى فيها العقل مع مواسم العام، فالربيع يعود دائماً، لكن دورته لن تخلو من شتاء الفقد، ولا خريف الصد، ولا صيف الكد، لكنه يعود، ستعود ظلال الخميلة، وتخضر أغصانها، بل ستتفرع أغصان جديدة أسمع رفيفها ينادي البلابل كالمسرح الذي يحتفي برواده وفنانيه، ستعود حينها مواسم الفرح بأغنيات الراحلين التي تهدهد فقدهم؛ والحاضرين المتناقلين لكلماتهم التي يقتبسونها إذعانًا يستمر لمدى تأثيرهم، وحبًا بروح نسجت الفرح كما نشعر به وأكثر. عاد العيد، وحين أرتدي له الجديد؛ فثمة جديد من القناعات وصلت به للرضا، والامتنان والسعادة؛ والآن أقول: كل عام وأنتم بخير. عبدالله الصليح