رواية «الأزرق بين السماء والماء» للكاتبة سوزان أبو الهوى، رواية شجاعة وملهمة عن الصبر والأمل واستعادة الثروة الثقافية لفلسطين والحفاظ عليها، تكتب أبو الهوى بشغف وصدق لخلق إعادة سرد عميق للتاريخ الشخصي لشعبها في هذه القصة الملحمية متعددة الأجيال عن الخسارة والحب والإنسانية، تأخذ من التاريخ وتستشهد بأحداث واقعية أليمة وتنجح في إيجاد الوصفة التي توازن بين الواقع والخيال فلا توقع الرواية في التقريرية كما تنأى بها عن ورطة الموقف الذي قد يجعل القارئ يلمس تحاملاً ما قد لا برغب به. تدور أحداث الرواية في فلسطين، وتتبع حياة عائلة بركة من بيت دراس التي تضم نظمية البنت الكبرى، وممدوح الأخ، ومريم ذات الطبيعة الحالمة، وأمهم الأرملة. وحينما تداهم قوات الاحتلال الإسرائيلي القرية وتُشعل فيها النيران، تضطر العائلة لقطع الطريق الطويل وصولاً إلى غزة، ومع انتشار الأسرة في جميع أنحاء العالم، تتكشف قصة جميلة من القرابة والجذور المتشققة من خلال الشخصية النسائية الرئيسة في الرواية نظمية ونور، إنها قصة مركبة من الصمود والقوة في وجه التجريد والإذلال التي يدعمها السعي الفلسطيني من أجل الحرية، تعتبر نظمية الأم في قلب هذه الرواية وتجسيداً لتلك المقاومة التي صنعت جسداً قوية ومتحدية ومستقرة في مواجهة المأساة. تبدأ الرواية بوصف العالم المثالي أثناء الاحتلال البريطاني ما قبل النكبة، عندما كان جيل الأجداد في عمر الشباب. وبعدها تتناول الرواية تاريخ المعاناة لهذه العائلة حتى يومنا هذا. الشخصية التي تربط بين الأجيال الزمنية المختلفة في الرواية هي الشاب خالد الذي يعاني من متلازمة المنحبس. هذه الحالة المرضية تجعل الجسم في حالة شلل تام بينما يكون المريض في حالة استيقاظ وإدراك عقلي كامل. وهنا ترمز الكاتبة أبو الهوى إلى وضع الفلسطينيين، فخالد يرى ويسمع كل شيء ولكنه لا يستطيع التدخل في الجو المحيط به، وعن طريق تقنية تيار الوعي يسبح خالد بخياله خارج نطاق الزمن حتى يتمكن من إلقاء نظرة مختلفة على الأحداث، كما تتخلل الحكاية إشارات ستجعلك تبحث عن القصص التي تم إخفاءها في كثير من المناطق العالمية، «أتى الغربيون وذهبوا طوال الوقت في جولات الفقر والحرب فقط للعودة وكتابة الكتب». رواية مثيرة وعميقة التأثير... إذا كان يصعب على المرء أن يعايش معاناة الحياة وتقلباتها، فإن هذه الرواية القوية والمشحونة سياسياً توفر له ذلك برشاقة أدبية مثيرة. ولغة سردية تتسم بالبساطة والوضوح، ووصف دقيق لمعاناة المهجرين، والتغيرات التي تطرأ في شخصياتهم، وحياة اللاجئين، وطريقة المقاومة والتعامل مع حياة في منتهى الصعوبة. إن اهتمام أبو الهوى بالتفاصيل مثير للإعجاب، تؤسس من خلالها علاقة مع ماضٍ ثقافي يتجاوز الزمن والحدود واللغة.