استكمالاً لما ذكره الضابط والمفوض السياسي البريطاني في الخليج ديكسون عن العاصفة أو العجة الحمراء عام 1932م والتي أكد أنها أصبحت حدثاً مختلفاً وجزءاً من تاريخ جزيرة العرب وذكرنا في الحلقة الماضية وصفه لقدوم العاصفة الذي استقبلوه بين الرهبة وروعة القدوم وهم يعتقدون أن شحنات كهربائية هائلة ونيراناً تتفجر في كبد السماء على بضعة أميال من مضاربهم جنوبالكويت يقول ديكسون بعد وصفه للحظات الاستعداد لمواجهة العاصف والإجراءات الطارئة التي اعتاد البدو عملها لتقليل أو تفادي الأضرار إنه بقي مع زوجته خارج الخيمة وما لبثوا أن داهمتهم العاصفة التي لم يروا مثلها طيلة سنوات إقامتهم فكانت كما يقول عاصفة جبارة لم يذكر البدو حدوث مثلها في زمانهم وكان لون ترابها أو غبارها بلون الآجر الإنجليزي. وبعد أن ضربتهم العاصفة كالصاعقة ابتعدت وبدأ هبوبها يتلاشى لينتهي كل شيء في ظرف نصف ساعة ليبدأ الكاتب وصف آثارها والانطباع الذي شعر به تلك اللحظة متناسياً الأضرار وحالة الهلع والربكة التي أحدثتها قائلاً: يا الله.. كم كان ذلك المشهد رائعاً وكم كانت الأصوات التي رافقت العاصفة مثيرة إذ أصبح كل شيء مكسواً بطبقة رقيقة قرمزية اللون من الغبار الناعم في ثوانٍ قليلة وكان يصاحب انفجار الشحنات الكهربائية أصوات فرقعة حادة. تبعها قصف شديد للرعد ولمرة واحدة فقط مبشراً بنهاية كل شيء. ويواصل ديكسون في كتابه عرب الصحراء وصفه للآثار مشيراً إلى أن الظلام عم المكان بعد ذلك حتى اضطروا لإشعال المصابيح الإعصارية؟ لكن العاصفة كما قال قد انتهت وبدأت أصوات الفرقعة التي تشبه نفس الفرقعة التي تحدثها النيران العظيمة والتي ترافق الاحتفالات تتلاشى تدريجياً، إذ انتهى كل شيء بعد قرابة نصف ساعة وكأن شيئاً لم يحدث. تبعها نسمات باردة رقيقة ومنعشة كانت هي كل ما تبقى من تلك التجربة المفزعة والمثيرة في آن واحد. هنا وكما يقول ديكسون بدأت نساء البدو والأطفال الذين تجمعوا في خيمتهم من شدة الفزع يرفعون أصواتهم بحمد الله وشكره على نجاتهم وسمعوهم كما يقول يرددون بصوت واحد حمد لله وشكره والثناء على لطفه مؤكدين للكاتب -كما قال- أنهم لم يسبق لهم في حياتهم أن رأوا أو سمعوا بمثل هذه العاصفة حتى ظنوا أثناء عصفها أن نار الله ستبتلعهم وأن نهاية العالم ( القيامة) قد حلت وكان سالم المزين ( أحد أصدقاء ديكسون) حسب قوله قد استرد أنفاسه بعد لحظات من التوتر والخوف على النساء والأطفال والخيام وعادت إليه قوته فأخذ يخفف عن النساء بصوته الهادر ( لقد انتهى كل شيء ولم يعد هناك ما تخافونه) مواصلاً مخاطبته للنساء: هيا انهضن جميعاً ولتذهب كل منكن إلى شأنها ماذا عن الطعام وغداء الضيف هل بقي سالماً؟ هل قدور الطعام مغطاة؟ الحمد لله .. الحمد لله (ماكو) شيء ( لم يعد هناك من شيء يخاف) اذهبوا ( جهزوا) الغداء. هكذا ردد سالم ومع ذلك فإن الصدمة التي أصيب بها سالم حسب قول ديكسون كانت كبيرة ولم يزايله الانفعال طوال ذلك النهار وبعدها جلسوا لتناول طعام الغداء ومن حسن الحظ أن خطر لأحدهم أن يغطي القدور وينقذ الرز واللحم ( اعتاد البدو عند هبوب العواصف إلى المبادرة أولاً لإطفاء النيران حتى لا يتطاير شررها وتحرق الخيام ثم يبدؤون بتغطية قدور الطبخ ولفها بقماش أو ثقل) مع ذلك حسب الكاتب فقد تغلغل الغبار الأحمر إلى كل شيء وكساهم جميعاً بغلالة حمراء حتى الرز المغطى بإحكام فقد اكتساه لمسة وردية لطيفة ولم تمضي ساعة واحدة حتى عادة السماء صافية كما كانت غير أن الأرض المحيطة بهم حتى شجيرات العرفج كانت مغطاة بطبقة رقيقة من الرمل الناعم كما لو كان بطبقة من الثلج الأحمر بكثافة لا تقل عن ربع بوصة. لدى عودتهم إلى الكويت علموا أن اطراف العاصفة اليسرى قد مرت فوق المدينة وأحدثت شيئاً من الهلع والذعر وهناك قدم الدكتور مايلر من الإرسالية الأمريكية لدكسون وصفاً حياً لروعة المشهد فيما كانت السحب القرمزية والسوداء تتسابق عبر خليج الكويت في طريقها صوب المدينة ولكن الطبقة الرقيقة من الغبار التي كانت تكسو المدينة دلت بوضوح أن المدينة لم تر سوى صورة مخففة من الظاهرة الطبيعية الفريدة وأنهم في الجنوب وحدهم الذين رأوا وسمعوا أصوات تفريغ الشحنات الكهربائية والرعد المفزع والممتع في آن واحد. هنا يعتقد ديكسون أن العاصفة انطلقت من الأرض الرملية الحمراء التي تحيط بمدينة حلب على بعد تسعمائة ميل إن لم تكن من محيط مدينة البتراء مؤكداً أن البدو سموا تلك السنة بالسنة الحمراء وأصبحوا يربطونها بتواريخ أحداثهم القريبة ويؤرخون بها لولادة أطفالهم وغيرها من الأحداث وبذلك حفظوا السنة الحمراء للأجيال المقبلة وأصبحت جزءاً مهماً من تاريخ شمال جزيرة العرب. ديكسون مع زوجته بالزي العربي العواصف الممطرة نسمات باردة ومنعشة تعقب العواصف