يسرد الضابط البريطاني والمفوض السياسي المعروف في الخليج ديكسون في كتابه «عرب الصحراء» مجموعة من القصص نقلها له البدو شفهياً بين قصص خيالية وأخرى قريبة من الواقع، ومن هذه القصص صياد عربي ودغمة العازمية التي وصفها بالمرأة المخلصة التي قام لها الملك عبد العزيز تقديراً، وقصة الغريب الأعمى، ثم قصة أسماها الأم الميتة التي أرضعت طفلها، وهي إحدى القصص الرائجة عند البدو والعرب عموماً الذين يتعمقون بها ويحكونها بكل أحاسيسهم، ويتفننون وهم يسردون تفاصيلها، مبينين بها قدرة ولطف الله، وكثيراً ما يحكونها لأبنائهم وأطفالهم حتى يتعلموا منها فضيلة الاتكال على الله -عز وجل- وتسليم الأمر لإرادته، وقد أورد القصة نقلاً عن ضويحي بن خرميط العازمي، الذي يعتقد بأنها وقعت نحو عام 1855م وفقاً لعمر الطفل الذي بلغ سناً متقدمة وقت رواية القصة لديكسون في أبريل سنة 1935م، ورواها ضويحي كما جاءت نصاً في كتابه على النحو الآتي: كان أحد رجال العوازم مسافراً قريباً من حائل مع زوجته، التي كانت على وشك الوضع، وفي غور يقع بين التلال العالية وضعت المرأة طفلها فجأة، ولكنها ماتت أثناء الوضع. حاول زوجها أن يساعدها قدر ما يستطيع، غير أنه كان وحيداً ولم يستطع أن ينقذها، فدفنها، بأن وضع جثتها في كهف قريب وملأ المدخل بالحجارة، كره الأب أن يبعد الطفل عن أمه، فقد كان يدرك أنه سيموت لا محالة لعدم وجود الحليب، فوضعه على صدر أمه ولف ذراعها من حوله، ووضع ثديها الأيسر في فمه، ثم تركها وسار مبتعداً وهو يردد «إني استودعتك الله». بعد تسعة أشهر كان جماعة من البدو من القبيلة نفسها يمرون من هناك، فقرروا أن ينصبوا مضاربهم قريباً من المكان الذي دفنت فيه المرأة وطفلها، وبما أنهم كانوا يعرفون القصة فقد ذهبوا إلى مدخل الكهف ليروا إن كانت الحجارة لا تزال في موضعها، وكم كانت دهشتهم كبيرة عند ما وجدوا بعض الحجارة قد أزيلت من مكانها تاركة حفرة في الجدار، وازدادت دهشتهم عندما وجدوا آثار أقدام طفل على الرمال في جميع الجهات، فاعتراهم الخوف، وأصبحوا نهباً للخرافات، وانطلقوا مبتعدين عن المكان المسكون، وهم لا يلوون على شيء، وبعد مدة علم الأب بالقصة، فأسرع إلى المكان ووجد الحفرة في الجدار وآثار أقدام الطفل، وعندما نظر داخل الكهف رأى طفلاً حياً يتمتم وهو يقف بجانب جثة المرأة الميتة التي كانت أشبه بجثة محنطة، وكان جسدها جافاً تماماً عدى عينها اليسرى، وكانت جميع الأجزاء المذكورة من جسم المرأة لا تختلف في شيء عن أعضاء المرأة الحية. عندها ملأ الخوف من الله قلب الرجل، فأخذ يردد اسمه ويحمده، ثم إنه أخذ الطفل الرضيع ووضعه على ظهر ناقته، وسار مبتعداً. وقبل مغادرة المكان دفن جثة المرأة الميتة بعناية، ووضعها هذه المرة في قبر من الرمال. ويؤكد راوي القصة ضويحي العازمي لديكسون أن الحادثة وقعت في عهد أبيه، وسمعها منه مباشرة، وقد كبر الطفل وأصبح محبوباً من الله، وعند بلوغه مبلغ الرجال أصبح من أشهر مقاتلي القبيلة وأشجعهم، وقد سمّوه خلوي، ولا يزال حسب تأكيده أن خلوي حياً يرزق إلى الآن (1935م)، لكنه أصبح طاعناً في السن. لم يعلق ديكسون على حقيقتها، وإن كانت من ناحية طبية أو علمية لا يمكن التصديق بمثل هذه القصص مع إيماننا بقدرة الله التي هي فوق كل قدرة حتى لو لم نكن في زمن معجزات. ولا نملك ونحن ننقلها كما جاءت نصاً في كتاب ديكسون إلا أن نترك الحكم لتقدير القارئ. كتاب «عرب الصحراء» مخاطر قطع مفازات الصحراء وحيداً