رواية يوميات خريج ريادي، للكاتب عمران كشواني، نص وقع بين منزلتين الرواية واليوميات، ولكنه سُرد بحكاية موازية للواقع، تأخذ منه بقدر ما تعيد إليه من أسئلة وافتراضات واستجوابات. ركز الكاتب على مكونات الصورة المهمشة، لجيل التسعينات الذي تخرج من الجامعة في تلك الحقبة من الزمن وكان لتلك السنوات الثلاث التي عاشها عامر (الشخصية الرئيسة) بعد تخرجه، والتي تشبه كل أترابه ليس في بلاده الخليجية ولكن في جُل البلدان العربية، «المشكلة أنني ما زلت لا أعرف نفسي جيداً، وأجهل الكثير عن رغباتي ونزواتي ومعايبي وميزاتي، مما يجعلني في كثير من الأحيان أحارب عدواً غامضاً هو نفسي لا أكاد أتبين اعتداءاته الغادرة ضدي في الظلام الدامس من حولي الذي يكتنف ساحة معاركي معه»، ولأنها تظهر منطقة الانكسار فيهم وصدمتهم في ما بعد مرحلة التعلم البريئة، والانتقال لسوق العمل المعقد، الذي يتباين في متطلباته عن تخصصاتهم الأكاديمية، فيتسبب في قتل رغبتهم في تغيير مكوناتهم، وتطلعهم لمستقبل عملي يحقق لهم أهدافهم الحياتية ومتطلباتهم المعيشية، ولكن الواقع دائماً ما يكون اعتباطياً في توقعاته، غرائبياً في أقداره، ومحبطاً في آماله، ومخيباً في عواطفه، فلا تأتي الرياح بما يشتهي الشباب، فيقعوا فريسة للفشل والخيبات، «هذه الحياة التي لم أحقق فيها إنجازاً واحداً أفتخر به، فلا أنا راضٍ وظيفياً، ولا عاطفياً، ولا مادياً، ولا أنا بقادر على تسكين آلام الدخان، ولا الابتعاد عن عاداتي السيئة، ولا الارتقاء في مشاريع صغيرة أو طموحات كبيرة، ولست أدرك بعد ما ينبغي علي فعله في هذه الحياة، لعلني أردت أن أمسك بأكثر من بطيخة بيد واحدة، فوقع البطيخ كله على الأرض وتهشم...» الرواية تعكس ذلك من حيث كون تلك الحوادث منطقية، وهي ذاتية لأنها تنطلق من منظور بطلها، لقد سرد الكاتب عمران حكايته بلسان عامر واستغل الحوارية لكي يدفع بالقارئ لاعتقاد ما يراه عامر، وأظنه ما يراه الكاتب. أراد أن يتقبل الناس التوجيه والتغيير في أفكارهم إذا تلقوها على شكل قصة وحكاية، لأنهم سوف يقاومونها إذا كانت توجيهاً (مباشراً)؟، يقول الروائي سومرست موم: بأن كاتب القصة أو الرواية يخلط دواء الرسالة المطلوب إيصالها بالعسل الحلو للحكاية... ويبتلع الناس الطُعم دون أن يحسوا بالدواء المخلوط بعسل الرواية. وهذا ما فعله الكاتب عمران، الذي برأيي استخدم بصدق الكتابة للذات بدل الكتابة عن الذات لأن الإنسان لا يرى نفسه إلا بمرآة أو من خلال أصدقاء أو أعداء أو نقاد، ولا يكون صادقاً عن نفسه وهو قريب جداً من المرآة؟ فاخترع تلك الشخوص (الصديق سلطان، والأجنبي جون، والعشيقة بشرى، والراقي باسم، والمتدين خلفان...) وحاورهم كمن يحاور ذاته، مجتهداً في الوصول إلى الحقيقة التي ترسخت في تركيبته الاجتماعية والنفسية والتربوية والتي لن يتقبل تغيرها من الآخرين بسهولة. بالغ الكاتب في التنصيص من الآيات والأحاديث النبوية، والتي أراد بها كشف شخصية عامر وتركيبتها، ولكن كان يمكنه التخفيف من ذلك بمجرد التنويه دون كتابة (الدليل). وأختم هذه القراءة بقول أورهان باموق: »الأدب فن إتقان التحدث عن قصصنا كأنها قصص الآخرين، وعن قصص الآخرين كأنها قصصنا»، ولازلت حتى اللحظة متشكك؛ هل هي حكاية الكاتب أم حكاية شخص آخر؟، أو ربما فيها بعض من حكايته». خالد المخضب