يجتمع الاتحاد السعودي لمناقشة زيادة عدد اللاعبين الأجانب في الدوري، في وقت يطالب البعض بتقليص العدد، لتتفاوت الآراء بين المؤيد والمعارض والمناضل لمثل هذه القرارات، ومن يتابع آراء الطرفين يجد الحجج الكثيرة التي تدعم رأي كل فئة، ومع ارتفاع رتم الدوري وقوته يجعل هذا القرار قادراً على فرض نفسه على الرأي العام وهو ما لا أراه قراراً موفقاً لكني هنا سأحاول تفنيد الآراء والتعليق عليها وطرح الحلول المناسبة من وجهة نظري كمتابع رياضي. تتلخص آراء الداعمين لزيادة عدد الأجانب في الأندية وعلى رأسهم وزير الرياضة في - رفع مستوى الدوري - فرصة احتكاك اللاعب المحلي بنخبة الأجانب طوال الموسم مما سينعكس على مستواه - الحد من ارتفاع سعر اللاعب المحلي - إمكانية الأندية المتوسطة من المنافسة على البطولات كما يحدث الآن مع ضمك والفيصلي والتعاون - انعكاس كل ما سبق على مستوى المنتخب فنياً وعناصرياً "وظهر ذلك جلياً في نتائج تصفيات المونديال وصدارة المجموعة"، أي أن المعادلة تقوم على بناء دوري قوي للحصول على منتخب قوي. ما يلفت نظري نحو هذه الآراء تجاهل أفضل نسخة للمنتخب السعودي والتي كانت نتيجة دوري خالٍِ من الأجانب وبقيادة المدرب الوطني خليل الزياني، وتجاهل تجارب الدول العظمى في هذا الجانب وجدلية نقاشهم حول محاولات تقنين عدد الأجانب في أنديتهم وتداول مشروع 6+5 الذي يجبر الأندية بإشراك خمسة لاعبين محليين مقابل ستة أجانب، وهذا تحديداً ما جعل كونتي حين كان مدرباً للمنتخب الإيطالي يشتكي ويتجاهل متابعة لقاءات الإنتر ولاتسيو وفيورنتينا التي تعج تشكيلتهم الأساسية باللاعبين الأجانب. وجود دوري محلي قوي لا يعني بناء منتخب بطولي، فالدوري الإنجليزي الأقوى في العالم باتفاق أغلب النقاد عجز عن تقديم منتخب بطل ولم يتوج الإنجليز طوال تاريخهم سوى ببطولة يتيمه قبل 56 سنة "مونديال 66"، على الجانب الآخر عجز البرازيليون عن تحقيق المونديال بفريق يعج بالمحليين 82م رغم تميزهم وهذا يقودنا للخلل الرئيس الذي تعاني منه كرتنا المحلية والذي لا علاقة له في رفع أو خفض عدد الأجانب. افتقدت كرتنا المحلية اليوم "بسبب التغير الثقافي الاجتماعي" للحواري التي كانت منبعاً رئيساً للأندية، كما اختفت بطولات المدارس القوية التي تزخر بهؤلاء النجوم، أي أن أهم موردين للمواهب الكروية جفت وإذا ما أراد الاتحاد السعودي أن يعيد الحياة لها فعليه أن يهتم بثلاثة عوامل رئيسة: أولها: إنشاء الأكاديميات الرياضية في المدن والأحياء وتوفير وسائل الموصلات واستقطاب المواهب الصغيرة وصقل موهبتها تحت أيدي مختصين عالميين. ثانياً: إعادة إحياء دوري المدارس وتنظيمه وفق خطة احترافية لا تقل تنظيمياً عن دوري المحترفين وخلق أجواء المنافسة وتوفير المدربين للفرق واستغلال اللاعبين المعتزلين في الإشراف عليه كمشروع وطني مستمر وبوابة لاكتشاف المواهب. ثالثاً: إرسال اللاعبين للاحتراف من سن مبكرة جداً للدول الأوربية والعمل على نجاح تجاربهم فلا ينقصنا شيء لنملك لاعباً محترفاً بقيمة اللاعبين الأفارقة العرب في أوروبا. الحلول الجذرية لمشاكل كرتنا المحلية هي ما نحتاجه اليوم أكثر من حاجتنا لزيادة عدد الأجانب في الدوري الذي لن يقدم لنا منتخباً قوياً ولا لاعباً محترفاً خارج الملعب ولن يطور من أنظمة دورينا ولا نقلها التلفزيوني ولا يقنن ديونها ولا يساعدها على تحسين جودة اختيار اللاعب أو المدرب المناسب للأندية. زيادة عدد الأجانب هي بمثابة زخرفة ظاهرة للدوري وقتل باطن لموهبة الهداف وصناع اللعب والحراسة في الأندية التي اعتادت على التعاقد مع هذه الخانات وعدم المغامرة باللاعب المحلي. فلك أن تتخيل أن صبر الاتحاديين على رومارينهو رغم موسمه المتواضع الأول جعله الهداف التاريخي للاتحاد، في حين ترفض الأندية عامة من الصبر على المهاجم المحلي. ولك أن تتخيل أن أول 30 لاعباً في قائمة الهدافين لهذا الموسم ليس من بينهم لاعب محلي سوى "باهبري 5 أهداف - كمارا 4 أهداف" وخالية من مهاجمي المنتخب. هذه بحد ذاتها تكشف الخلل الذي اعتدنا أن نراه في المونديال، حين نعجز عن التسجيل وتحقيق إنجاز الوصول لدور الثمانية أو تكرار إنجاز الوصول لدور 16 على الأقل حينها سنعيد التساؤل المكرر، وسنتقلب في فلك المسكنات اللحظية التي مازلنا نكررها من عشرات السنين، ونتجاهل ضرورة احتراف اللاعب المحلي والعمل من الصفر لصقل المواهب بدلاً من إهمالها قبل حرقها بهكذا قرارات.