عقد مجمع اللغة العربية بمكة المكرمة لقاءً علمياً بعنوان اللغة مأثرة بشريّة (بوصفها وسيلة للاتصال - أداة للتفكير) استضاف خلاله الدكتور عبدالله بن علي الخضير عضو النادي الأدبي الثقافي بالأحساء. بدأ الدكتور الخضير المحاضرة بطرح مجموعة من التساؤلات حول أصل اللغة، وتطرق لموضوع اللغة وتأثيرها في تكوين الفكر، مؤكداً بأن اللغة والتفكير يجب أن يتوازنا، ويتوافقا، ويتبادلا في العلاقة، فالشخص الذي يكون مخزونه اللغوي محدوداً يكون تفكيره بالمثلِ محدوداً. والشخص الذي يكون مخزونه اللغوي غير واضح يكون تفكيره مماثلاً في الغموض والتشويش. والشخص الذي لا يفرّق بين طبيعة المعاني يكون تفكيره مماثلاً في التعميم واللّبس، ممّا قد يؤدي إلى نتائج سلبية، وهكذا تؤثر اللغة في تكوين الفكر، فاللغة الرديئة تعني تفكيراً مضطرباً مشوّشاً. والتفكير القاصر يعني لغة رديئة وتعبيراً ضعيفاً. وهذا يذكرنا بمقولة سقراط الشهيرة في الحكم على الكلام اللغة، (تكلّم حتى أراك). ولهذا يقول الروائي والكاتب السياسي الشهير (جورج أورويل) معبّراً عن إيمانه بالعلاقة المتبادلة بين اللغة والفكر "إذا أفسد الفكرُ اللغةَ، فاللغة أيضاً يمكنها أن تفسدَ الفكر". أمّا تشومسكي فيرى في كتابه اللغة والفكر "أنّ دور اللغة يتمثل في القدرة العامة التي تبرز في الاستعمال الإنساني المألوف للغة كأداة حرة للتفكير. ولكنّ اللغة أوسع من ذلك، بل هي معنى يحدد المعرفة تماماً كما يحدد المهندس المنزل على رغبة المالك". وللتأكيد على العلاقة بين اللغة والتفكير أشار الخضير إلى قيامه بإجراء تطبّيق على نصٍّ لعمر بن أبي ربيعة مستخدماً المنهج العرفانيّ، ليكتشف من خلاله سلوك عمر بن أبي ربيعة في التفكير. يقول عمر بن أبي ربيعة (الكامل): لبسَ الظلامَ إليكِ مُكتتما خَفَراً لحاجةِ آلِفٍ صَبِّ لمعتْ بأطرافِ البنان لنا إنّا نحاذرُ أعينَ الرّكْبِ حيث يتكئ هذا النص في بنيةِ استعارتِهِ التصوّريّةِ على التضافر النصّي الخارجي مع أشعار العرب في الجاهليّة حيث قال عنترة: فوددتُ تقبيل السيوف لأنّها لَمَعتْ كبارقِ ثغرِك المُتبسّمِ ذلك أن (البروز واللمعان والبياض والسطوع) تشكّل الجمال في الثقافة العربية، ولها حضور كبير، فالعربُ جعلوا من جمال المرأة باباً من بوابات إدراك الجمال وبهجة الحياة عموماً، وأنّ المرأة لعبت دوراً كبيراً وفاعلاً ومهمّاً من خلال مواقفها النبيلة في كل العصور السابقة واللاحقة، حيث ارتبط جمالها بمفهوم العفّة والنبل، وفي اللاشعور الجمعي تأثر كبير بتلك المفاهيم السائدة حولها آنذاك ، فهي تمثّل صفة الجمال، ورمزيّة الحب. أمّا الاستعارة الاتجاهية متفاعلة مع الاستعارة الأنطولوجية فهي تمدّنا بأساسٍ غنيّ لفهم التصوّرات بواسطة الاتجاه، ومن خلال خطاطة الوعاء أيضاً، فاللمعان له صفة البروز والسطوع والضوء والاتقاد والتحرّك إلى أعلى وأسفل حسب قوّة اللمعان. لافتا إلى أن الاستعارات (الجمال/ لمعان وبياض وسطوع وبروز) انبثقت من تجربة ومعرفة يحددها الجسد والسياقات الثقافية، حيث تبدو مفاهيم من قبيل اللمعان والبياض والسطوع والبروز في اتجاه فضائي عمودي إلى أعلى، إذ لا يمكن تصوّر المصدر (لمعان وسطوع وبياض وبروز) إلاّ ضمن وجودها في وعاء فضائي (الجمال)، ذلك لأنّ لخطاطة (الوعاء) أساساً فيزيائياً هو التجربة والجسد، فقوله (لمعت بأطراف البنان لنا) فاللمعان والبياض والبروز تمثّل استعارة تصوّريّة كبرى عن حال الجمال، وما ينتج عنها.