التغير السريع في حياتنا الحديثة هو أكثر ما يميز عصرنا الحاضر، وأصبح من الضروري التفاعل مع مختلف المتغيرات، ومن بينها ما يتعلق بالتواصل مع الثقافات الأخرى وصناعة التأثير، والتفاعل مع الآخر على الرغم من مقاومته أحياناً، في التحقيق التالي نستوضح آراء عدد من المثقفين حول أدوار الفعل والنشاط الثقافي في هذا الجانب، لحفظ التوازن والتعايش بين مختلف الثقافات. الحاجة لمواكبة التغير الثقافي الباحث والمفكر د. علي العوبثاني أشار في قراءته للمشهد إلى أن ما يحدث من تغير سريع على حياتنا في التأريخ المعاصر هو أهم ما يميز عصرنا الحاضر، وتكمن أهم ميزة فيه في التغير الثقافي المتسارع وحاجتنا الماسة لمواكبة هذا التغير الثقافي السريع للتفاعل والتعايش مع ثقافات الأمم الأخرى؛ لأن ذلك أصبح أمراً ضرورياً وحتمياً يتوجب ويفرض علينا مسايرة ومواكبة حركة التقدم الثقافي السريع بحكمة واتزان من دون المساس بثقافتنا الأصيلة، والسعي دائماً إلى التقدم تقدماً ثقافياً مدروساً وملموساً حتى نتفاعل ونتكيف مع المتغيرات الثقافية المعاصرة بما لا يضر بثقافتنا الأصيلة بهدف التفاعل والتعايش مع الثقافات الأخرى والتأثير فيها، لأن من لم يتقدم يتقادم ومن لا يتفاعل مع المتغيرات العصرية المطردة لا يستطيع التعايش مع الغير، والمثقف الذي ليس لديه القدرة في التأثير في سلوك الآخرين لتحقيق أهداف المنظومة الثقافية لوطنه لم ولن يكون من صناع التغيير، ولا يتقدم بل يتقادم، ولكي يقوم المثقف بدوره الفعال في صناعة التأثير والتفاعل والتعايش مع الثقافات الأخرى لحفظ التوازن والتعايش بين الثقافات. الحراك التفاعلي طريق التواصل مع الآخر د. نجلاء مطري -الأكاديمية بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة جازان- تؤكد ضرورة مواكبة المثقف للتطور المذهل في الجانب الثقافيّ، وأن يحدث حراك تفاعليًّ مع الآخر من خلال التقنية ومواقع التواصلِ الاجتماعي والوعي الثقافي الذي بدأ ينعكسُ بشكلٍ ملحوظ على أوساطِ عامة الناس، كما أدركَ هو وصناع الحدث الثقافي أنّ الوصولَ للآخر لا يكونُ إلا بالتنوع في الطرحِ والأفكار والوسائط المتعددة، إذ بإمكانه من خلال كلِّ هذا أن ينقلَ الأفكارَ والثقافاتِ الأخرى بما يتناسب وشرائحِ المجتمع والفئاتِ المقصودة بهذا الحراك بكلِّ يسرٍ وسهولة . "المثاقفة" ضرورة عصرية بدوره يرى الكاتب والناقد صالح الحسيني أن التناغم بين جميع الناس يشكلُ نواةً أساسيّة لبناء المجتمعات وقيامها على بنيان متينٍ من التفاعل الذي يؤدي إلى التقدم والتطور العلمي والعملي والفكري والثقافي والاجتماعي، فلا بد من تفاعل أي مجموعة بشرية للتآلف مع المجموعات الأخرى حتى تستفيد منها وتفيدها في شتى المجالات، وتكتسب الخبرات والمعلومات والأفكار اللازمة لتكوين صورة أفضل عن العالم، وتقتضي التعايش مع الثقافات الأجنبية المغايرة لما نشأت عليه مجموعة معينة من البشر، وهو ما يسمى ب(المثاقفة)، لما في تلك التسمية من التعبير عن التأثر والتأثير. لافتاً إلى أن التفاعل الثقافي شكل من أشكال الحضارة وسبب من أسباب تكوينها، ويعد المجتمع الثقافي الذي يستطيع الاستفادة من عيوب وأخطاء غيره أكثر المجتمعات وعيًا وأكثرهم قدرة على النهضة والمسؤولية، فالمخزون الراكد لدى أي مجتمع لا يعد كافيًا لاستمرارية التطوير العلمي والمعرفي. حيث تعدّ اللغة العامل الأول للتواصل والترابط بين الحضارات، لأنها أداة الإيصال الفكري، والتي تمكن من انتقال ما يريد أي مجتمع أن يفيد من المجتمعات الأخرى، مشيراً إلى أن الجامعات تتبنى في هذا الزمن شكلًا من أشكال التفاعل الثقافي من خلال إقامة مِنح التبادل الثقافي بين الطلبة الجامعيين في بلدين مختلفين، ما يؤدي إلى أداءات مختلفة لمجموعة من الطلبة في كل من البلدين، وهذا ما يساعد على الامتزاج الثقافي والتعرف على مكامن قدرات هؤلاء الطلبة وما يمكن أن يقدموه للبلاد التي ينتسبون إلى جامعاتها، فيحملون تلك المعلومات ونتاج البيئة التي تعرفوا عليها إلى بلدهم الأم، فتزيد القدرات الاجتماعية الثقافية والاقتصادية والعلمية لكل من البلد المرسل والمستقبِل. ويختم الحسيني مداخلته بالتأكيد على أن دور التنوع الثقافي في تقارب المجتمعات يتخذ شكلًا أساسيًّاً من أشكال تكوينها، لأن الإنسان الذي يعيش وحيدًا عبر العصور لا يمكن أن يطوّر وسائل معيشته أو يفتح آفاقه الفكرية من دون الاستعانة بالآخر، إذ تتمّ عملية التلاقح الفكرية والثقافية مما يؤدي إلى الإنتاج المبتكر، والتغيير المستمر لشكل الحياة وطريقتها نحو الطريقة الأفضل والأكثر إعانة، حيث تسهم اختلافات الثقافات بين المجتمعات بتقديم طرق متعددة لإقامتها بأفضل صورة، ولا بدّ أن يكون ذلك التفاعل منظمًا ومضبوطًا بضوابط أساسية، وحين يأخذ المجتمع بالتفاعل الإيجابي من خلال المثاقفة يستطيع استثمار تلك المتغيّرات في حياته العملية وفق أهداف علمية أو عملية. د. العوبثاني: يجب الاتزان في مواكبة التغير الثقافي مطري: الحراك التفاعلي طريق للتواصل مع الآخر الحسيني: "المثاقفة" ضرورة عصرية